الفصل الثاني: تجربة الغربة والضياع
1. المضمون الفكري:
ظهر الشعر الحديث إثر نكبة فلسطين 1948 ، وتعاقب مجموعة من
النكسات والهزائم المتتالية خاصة نكبة 1967. كما كان للاحتكاك بالثقافات الأجنبية
دور كبير في انفتاح هذا الشعر على المستجدات الفنية والأدبية في الخارج، لتجديد
آليات الكتابة والاقتباس من جملة من العلوم كالفلسفة والتاريخ والأساطير وعلم
النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا.
وقد ساهم استيعاب بعض الروافد الفكرية في السمو
بهذا الشعر خاصة المذاهب الصوفية والديانات الهندية والفارسية والثقافات الشعبية كسير
عنترة بن شداد وكتاب ألف ليلة وليلة، وسيرة سيف بن ذي يزن وأبي زيد الهلالي،
والتعمق في دراسة القرآن والحديث والشعر القديم.
وتتنوع الغربة في أشعار المحدثين لتشمل الغربة
في الكون والغربة في الكلمة والغربة في الحب والغربة في المدينة.
1.1. الغربة في الكون:
تعني الغربة في الكون ميل الشاعر إلى الشك في الحقائق والميل إلى
التفلسف الوجودي، وتفسير الكون استنادا إلى العقل والمنطق. والسبب في ذلك إحساس
الشاعر بالعبث والقلق والمرارة كما هو الحال في نصوص صلاح عبد الصبور وبدر شاكر
السياب وأدونيس ويوسف الخال.
2.1.الغربة في المدينة:
تتمثل في تبرم الشاعر من المكان المديني الذي غلب الإنسان
وشيأه وحول الانسان الى مادة من القيم المصطنعة الزائفة. والمدينة في الشعر الحديث
دون قلب و دون روح. وتتخذ في أشعار هؤلاء قناعا سياسيا واجتماعيا وثقافيا
واقتصاديا، لذلك صور الشاعر الحديث المدينة في ثوبها المادي والناس فيها صامتون
يثقلهم الإحساس بالزمن.
3.1. الغربة في الحب:
وكما أن الشاعر فشل في الاندماج في الوسط المديني الذي
ينتمي إليه فقد فشل كذلك في الحب. هذا الفشل تمثل في إخفاقه في خلق علاقه حميمية
مع المرأة والوصول إلى كنهها. فتحول الحب إلى مرارة قاتلة، ولم يعد في قلب الشاعر
مكان للحب بسبب الهزائم المتتالية والقيم الزائفة التي أصبحت تستوطن العالم العربي.
والمرأة بجسدها وأنوثتها وجمالها لم تعد قادرة على إخراج الشاعر من وحدته وعلى
إعادة توازنه المنشود.
4.1. الغربة في الكلمة:
كان الشاعر العربي يعتقد أن الكلمة سيف وقوة وحركة وفعل.
لكنها عجزت عن تلبية طموحاته ولم تتجاوز وصف الواقع على بشاعته بعد الهزيمة، مما
أدخله في حالة يأس قادته إلى الاغتراب.
وهناك أنواع أخرى من الغربة الخاصة منها الغربة في المكان
وفي الزمان، والغربة في العجز وفي الصمت، والغربة في الحياة والموت.
2. المنهجية النقدية المعتمدة في هذا الفصل:
اعتمد المعداوي في هذا الفصل التدرج التاريخي لنشأة الشعر الحديث،
مستندا إلى وقائع تاريخية وتحولات اجتماعية وفكرية مصاحبة. ويتوافق المنهج المعتمد
في هذا الفصل مع المنهج البنيوي التكويني، خاصة وأن الناقد يرصد خصوصيات
التجربة من خلال إنتاجات الشعراء ويتحرى العناصر المتحكمة فيها.