مناهج قراءة النصوص الأدبية
1. تعريف منهج التحليل ومميزاته:
يقصد بمنهج التحليل، تلك الخطوات المنهجية التي يتبعها الناقد في تحليل النص الأدبي، بغية استكناه أبعاده الدلالية وأنساقه الجمالية والفنية. هذه الخطوات تبدأ من التصور النظري القائم على صياغة فرضيات أو مسلّمات، وتنتهي بتأكيد هذه التصورات عن طريق التحليل النصي، لاستخلاص مجموعة من النتائج والخلاصات التركيبية.
ويتميز النقد الأدبي اليوم بتعدد مشاربه ومقارباته، بتعدد الجوانب المتدخلة في إنتاج النص ( المؤلف، النص، العتبات والأسلوب...). ورغم هذا التعدد فهو ينطلق من النص وينتهي إليه. لذلك فللناقد أن يختار المقاربة التي يشاء، والمنهج الذي يراه كفيلا بأن يمكنه من اقتفاء أثر العمل الأدبي بمنهجية واضحة، وبأدوات استقصاء ملائمة تجنبه الحكم على العمل وفق مزاجية ودوافع لا علاقة لها بدراسة الأدب.
2.مناهج التحليل:
وعلى العموم، فقد شهد العصر الحديث تطورا ملحوظا على مستوى الدراسات النقدية، انسجاما مع تطور العلوم وتراكم الثقافات والتيارات الفكرية، وما انبثق عنها من فلسفات مثالية وإسلامية، ووجودية وذرائعية. وبقدر ما انتعشت هذه الدراسات في الغرب، فقد امتد أثر هذا الانتعاش إلى الدراسات النقدية العربية، وأدى إلى ظهور مسارات نقدية متباينة، يركز كل منها على جانب محدد من مكونات النص، داخلية كانت أم خارجية.
1.2. المنهج الاجتماعي:
من بين المناهج الذائعة، المنهج الاجتماعي الذي تولد عن المادية التاريخية مع كارل ماركس، والذي يعتبر الأدب نتاجا للواقع الاجتماعي. هذا المنهج تبلور مع "جورج لوكاتش"، ووجد اهتماما كبيرا من قبل بعض النقاد العرب خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لارتباطه بالحركات التحررية وبتنامي التوجه الاشتراكي في دول العالم.
2.2. المنهج النفسي:
إلى جانب المنهج الاجتماعي، عرفت الدراسات النقدية العربية انتشارا واسعا للمنهج النفسي، الذي انبثق عن فلسفة اللاوعي وعلم النفس التحليلي مع "فرويد" و"جاك لاكان" وغيرهما. ويعتمد هذا المنهج على إسقاط مقاصد النص على حالات المبدع النفسية، ويرى - كما أكد ذلك "لاكان" - أن اللغة تجمع بين علم النفس والأدب في منهج شديد التماسك. واعتبر أن اللاشعور مبني بطريقة لغوية، وبذلك يعتبر الأدب أقرب التجليات اللغوية إلى تمثيل هذا اللاوعي، ومن ثم تصبح اللغة هي المدخل الأساس للنقد النفسي.
3.2. المنهج البنيوي:
وإذا كان المنهجان الاجتماعي والنفسي، يقاربان الأثر الإبداعي من الخارج، فإن المنهج البنيوي، في المقابل، يقطع الصلة بكل ما يبدو خارجيا عن بنية النص، كحياة الأديب وظروف إنتاج النص، ويعتبر العمل الأدبي بنية لغوية مغلقة تتشكل من نظام من الوحدات الدالة، بينها علاقات ترابط وانسجام، ويتعين على الناقد أن يبحث في هذه العلاقات.
4.2. المنهج التكاملي:
تتعدد المقاربات التحليلية إذن، وتتــعدد باختلاف منطــلقاتها وخلفيــاتها النظرية. إلا أن المنهج الأكثر شيوعا في مقاربة النصوص الأدبية هو المنهج التكاملي، الذي يحيط بكل مكونات النص الأدبي. وينفرد هذا المنهج عن غيره من المناهج النقدية بتوازن قراءته لشكل النص ومحتواه، فيحكم عليه بمقدار حمولته الدلالية ووسائله الفنية.
وبموجب هذا المنهج يتم تفسير العمل الأدبي في ضوء الظروف الموضوعية التي أفرزته (ظروف إنتاجه التاريخية والاجتماعية..) وفي ضوء تنوع الأدوات الأسلوبية والمعرفية والبيانية التي تشكل بها. ومن بين النقاد الذين تمثلوا مبادئ المنهج التكاملي: جبرا إبراهيم جبرا، عبد القادر القط، ومحمد مفتاح.
تستلزم المقاربة الشمولية إذن، ألا يكتفي التحليل بمنهج واحد لعدم كفايته، وأن يُعمد إلى التوليف بين مجموعة من المناهج والحقول المعرفية، للإحاطة بكل عناصر النص ومكوناته. لأن العمل الأدبي ليس وثيقة ذات بعد واحد، يمكن مقاربته من خلال معطيات التاريخ، أو الاجتماع، أو تصنيفه في دائرة الفن، أو الفلسفة أو العقيدة، بل هو كل متشعب وله علاقة بواقع الإنسان، يستدعي أن ننظر إليه على أنه نتاج أدبي ذو أبعاد متنوعة ومستويات مختلفة، وخصائص مركبة لا يستقل بعضها عن بعض.
ومن تجليات توظيف المنهج التكاملي في قراءة النصوص الأدبية، كون عملية التحليل بتعدد مستوياتها، تستلزم استدعاء أحد هذه المناهج في كل مرحلة من مراحل التحليل: المنهج التاريخي في مرحلة التأطير، والمنهج البنيوي عند دراسة عتبة العنوان والمعجم والأساليب، والمنهج النفسي في تحليل البنية الإيقاعية والصور الشعرية. وكذلك الشأن بالنسبة لتحليل المقالات الأدبية والنقدية، ومعالجة الأشكال النثرية، كالنصوص القصصية والمسرحية.
الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 7 بتصرف.