رصيد معرفي: إحياء النموذج




إحياء النموذج:            رصيد معرفي


1- التعريف:

    حركة إحياء النموذج اتجاه فكري وأدبي، ظهر في العالم العربي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وكان هدفه الأساسي تطوير الخطاب الشعري وتخليصه من الكساد والانحطاط الذي طبعه خلال العصر العثماني، بفعل التكلف البديعي والإفراط في الزخرفة التنميقية، وفراغ الخطاب شكلا ومضمونا. وقد كنيت هذه الحركة الشعرية بتسميات عدة من بينها: الكلاسيكية- الكلاسيكية الجديدة- شعر النهضة- شعر البعث- شعر الإحياء- شعر الانبعاث- التقليدية - البيانية- السلفية الشعرية- التيار التراثي- شعر البعث والإحياء، إحياء النموذج والحركة الإتباعية.

    وقد قامت الإحيائية العربية على مبدأ أساسي مفاده إحياء الموروث الشعري ومحاكاته، عبر احتذاء إنتاجات فحول الشعراء ومعارضتها (تقليدها)، باعتبارها مستقر المثل الأعلى. فتلمست مرجعياتها الشعرية في قصائد العصر العباسي والجاهلي على الخصوص، معتبرة أن تجويد الخطاب الشعري وتحقيق هويته وأصالته، أمر لن يتأتى إلا بالرجوع إلى الماضي، أسوة بما فعله الكلاسيكيون الغربيون الذين تمثلوا التراث اليوناني والروماني، لبناء حاضر ومستقبل متينين.

    ويتلخص أهم ما حققه الإحيائيون- إضافة إلى إعــادة بناء الشــعر على أسسه القديمة من متانة في التركيب وجزالة في اللفظ ونصاعة المعنى وقوة الجرس الموسيقي- في التحرر من أوضار الصناعة البديعية المتمثلة في التلاعب اللفظي وتكثيف التوريات والتضمينات. فركزوا تعبيرهم على الصياغة البيانية بدل النظم البديعي، وعلى الصور الشعرية الوصفية المادية لمختلف المعاني، اعتمادا على التشبيه والاستعارة والمجاز.

2- الرواد :

   من المؤكد أن محمود سامي البارودي لم يقد لوحده حركة الانبعاث الشعري، بل شاركه في ذلك عدد من الشعراء الذين عاصروه. ويؤكد ذلك كون حركة البعث كانت نتيجة طبيعية لحركات الانبعاث القومي والديني، ونتيجة حتمية لمظاهر الصراع التي ميزت الحياة العامة في المجتمعات العربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

   وعلى هذا الأساس لم يقتصر انتشار التيار السلفي على الإبداع الشعري في مصر فقط، وإنما امتدت تجلياته ومبادؤه إلى عدد من الأقطار العربية، فأنجب عددا من الرواد الذين تمثلوا مبادئ هذا الاتجاه الشعري، وساهموا بأشعارهم في تثبيت  دعائمه:

-    ففي مصر نجد إلى جانب البارودي، كلا من الساعاتي، عبد الله نديم، حافظ إبراهيم، أحمد شوقي...

-    في العراق، برزت أسماء لامعة كجميل صدقي، الزهاوي، معروف الروصافي وعبد المحسن الكاظمي.

-    في لبنان: تأسست حركة البعث الشعري على يد إبراهيم اليازجي، خليل اليازجي وأمين نخلة...

-    وفي المغرب، محمد الحلوي، محمد بن إبراهيم، علال الفاسي، المامون البلغيثي، محمد السليماني، محمد بوجندار وعبد الرحمن بن زيدان وغيرهم.

3- الخصائص:

   اتسمت خطابات البعث والإحياء بجملة من الخصائص- استلهمت معظمها من القصائد التراثية- تعدت  الجانب الشكلي والفني، إلى جانب المضمون القائم على تعدد الموضوعات والأغراض، كما تميزت باكتساح الآخر للمشهد الفيزيائي على حساب الأنا الشاعرة. ويمكن أن نرصد على مستوى الشكل جملة من السمات التي خصصت البنيات الثلاث التالية:

أ- البنية المعجمية:

 تتشكل معظم قصائد البعث والإحياء من شبكة معجمية تميل إلى البداوة والتعقيد اللفظي، على غرار القصائد الجاهلية والعباسية. ولعل أهم ما يميز معجم هذه القصائد، كونه معجما تراثيا مباشرا، يقف عند الاستعمال القاموسي ولا يحتمل دلالات إيحائية، ويستمد مرجعيته من حقول دلالية تمثل مختلف الأغراض الشعرية التي نظم فيها القدماء، كالوصف والفخر والرثاء...

ب- البنية الإيقاعية:

    تتميز بالحفاظ على سيمترية القصيدة الكلاسيكية بشكلها العمودي وشطريها المتناظرين، ووحدة القافية وحرف الروي. مع الميل نحو توظيف الأوزان الطويلة، كبحر الطويل، البسيط، الكامل والوافر.

ج- بنية الصورة الشعرية:

   تعتمد في تشكيلها على الآليات البلاغية الكلاسيكية – التشبيه، الاستعارة والمجاز – وتضطلع بوظيفة تزيينية جمالية. وهي صور جزئية مفككة تعتمد وحدة البيت الشعري، تخاطب سلطة العقل وتقيد هامش الخيال، وتكرس بلاغة الوضوح التي راهن عليها الخطاب الإحيائي.

 الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة  20.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-