مدخل لدراسة الشعر الحديث " 1 " :

 

مدخل لدراسة الشعر الحديث (1):

1. ما هو الشعر  الحر؟

   الشعر الحر نتاج مبادرة جيل جديد من رواد الشعر العربي، كانت لهم الجرأة على إحداث تغييرات جذرية في إبداع الشعر. هذا الجيل كان متشبعا بمبادئ الثورة والرغبة في تغيير الواقع العربي، فجعل من الشعر الأداة الأساسية لاستكناه هذا الواقع وإدراك مواطن الاختلال فيه.

وقد ينظر إلى الشعر الحر على أنه ظاهرة فريدة أو طفرة في الشعر العربي. لكنه في الحقيقة ليس كذلك، لأنه ظهر استجابة لما عرفه العالم العربي على المستوى السياسي والاجتماعي والفكري، خاصة بعد الحربين العالميتين وتوالي الهزائم والنكبات التي لاحقت الوطن العربي.

 والشعر الحر بهذا المعنى ثورة جدرية في الإبداع الشعري ينبني على رؤيا حديثة للشكل والمضمون انقلبت على كل البنيات الموروثة. وهو من هذا المنطلق محاولة جادة للتحرر من أوضار الماضي وإعادة بناء الأصول الإبداعية للشعر العربي.

2. ما هي العوامل التاريخية التي ساهمت في ظهور الشعر الحديث؟

   ظهرت حركة الشعر الحديث إذن، استجابة للتحولات الكبرى التي عرفتها جغرافيا العالم العربي، والتي كانت بدايتها تداعيات الحرب العالمية الثانية، وما رافقها من خراب للعالم وللإنسانية، إضافة الى ما أعقبها من هزائم ونكسات متتالية هزت أركان المعتقدات والقيم.

فبمجرد أن هدأ دوي مدافع الحرب العالمية حتى فجع العالم العربي بقرار تقسيم فلسطين واحتلالها سنة .1948 وقد شكلت هذه النكبة جرحا غائرا في وجدان العالم العربي ساهمت في تعميقه سلسلة النكسات والهزائم. فكان من الطبيعي أن يسعى الانسان العربي إلى لفظ غبار الهزيمة، والثورة ضد الاستعمار وضد الأوضاع التي زادت من تخلفه، مستفيدا في ذلك من تسرب مبادئ الاشتراكية إلى الفكر العربي حاملة معها أفكار الثورة والتمرد.

   في ظل هذه المعطيات كان من الضروري أن يعاد النظر في مختلف الأنساق التعبيرية الأدبية القديمة، واتخاذ موقف واضح منها. موقف تجسد في الانقلاب التام على الموروث القديم شكلا ومضمونا، ولم يكن بأي حال من الأحوال استكمالا لهذا التراث أو استمرارية له، بقدر ما شكل ثورة جذرية رفعت لواء الحداثة والتجديد أمام كل ما هو قديم متوارث.

3. ما علاقة الشعر الحديث بالتراث الشعري العربي؟

   إن مسألة علاقة الشعر الحر بالماضي بصفة عامة مسألة ذات أهمية كبرى، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار المكانة التي يتبوؤها الخطاب الشعري في الأدب العربي عموما. ولقد كانت مختلف المحاولات التجديدية التي شهدتها المحطات الكبرى من تاريخ تطور الشعر العربي تقتصر على جانب محدد من الشكل أو المضمون دون أن تنزاح عن جوهر الشعر الجاهلي وركائزه.

   غير أن الشعر الحديث تأسس وفق رؤية جديدة لهذا الموروث تنبني على مبادئ ثورية ترفض سلطة الماضي، وتقتصر في التعاطي معه على جوهره فقط، دون شكله و أنساقه الفنية، معتبرة أن كل ماضي الانسانية لا يشكل إلا جزءا من تراث الشاعر ولا يرتبط بتمثلاته القومية والدينية.

4. ما علاقة الشعر الحر بالثقافة الانسانية؟

   انطلق الشعر الحر من مبدأ أساسي مفاده أن كل ابداعات الإنسانية في جميع بقاع العالم، يفترض أن تكون يتأثر به الشاعر. وعلى هذا الأساس فقد تأثر الشعراء العرب بعدد من المبدعين على المستوى العالمي بمن فيهم الشاعر الإنجليزي إليوت خاصة في استخدامه للأسطورة، كما تأثروا ببابلو نيرودا وبغارسيا لوركا وبالشاعر التركي ناظم حكمت في مسألتي الالتزام بقضايا المجتمع وما يتعلق بالثورة، كما تأثروا ببودلير على مستوى الخيال والتصوير الفني.

5. ما علاقة الشاعر الحديث بالواقع العربي؟

   لقد تمكن الشاعر العربي من إعادة صياغة رؤيته للواقع بصورة متكاملة. ولم تعد مسألة الأصالة والمعاصرة بالنسبة للشاعر الحديث تقتصر على التبعية المطلقة للماضي أو للحضارة الغربية، بل أصبحت تتعلق بمدى عمق إدراكه للواقع الذي يعيش فيه، وفي مدى قدرته على التعبير عنه. فالشاعر الأصيل من هذا المنظور هو الذي يستطيع أن  يتمثل الواقع في وجدانه ويتعايش معه. 

   لذلك نجد أن المحدثين قد استبدلوا سمة الغنائية أو الذاتية المفرطة في الشعر الرومانسي، كما استبدلوا الحماسية السطحية برؤية متعمقة شمولية. وعليه، يمكن القول أن  ثورة الشاعر الجديد استمدت جذورها من الثروة الحضارية الشاملة، ومن محصلة تجربته الإنسانية في واقعه المعاش بتكويناته الثقافية والاجتماعية.

 

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-