رصيد معرفي: سؤال الذات



سؤال الذات:              رصيد معرفي


1- التعريف:

      ظهرت التجربة الرومانسية العربية مع مطلع القرن العشرين، بناء على مبدأ أساسي  مفاده إعادة الاعتبار للذات التي همشتها الخطابات الكلاسيكية، وجعلها بؤرة للإبداع الشعري. وقد ارتبط ظهور الاتجاه الرومانسي في الأدب العربي، بعاملين أساسيين: أولهما عجز الإنسان العربي عن معالجة كثير من قضاياه المصيرية، بشكل نتج عنه إحساس كبير بالعزلة والتفرد في محيط استعصى عليه الاندماج فيه، والثاني تمثل في انفتاح الأدب العربي على الآداب الغربية، خاصة الأدب الإنجليزي. 

هذان العاملان، كان لهما دور فعال في بلورة ثلاثة أسس، شكلت دعائم الرومانسية العربية: تغيير وظيفة الشعر إلى وظيفة تعبيرية عن هموم الذات وعن المشاعر الإنسانية - وإدانة فساد مجتمع الحضارة والهروب من شره وتعقيداته -  وتخليص النَّظم من الخضوع للتراث الشعري العربي، ثم تبني التراث الغربي.

2- الرواد:

   انطلق التيار الذاتي مع جماعة الديوان، على يد عباس محمود العقاد، عبد الرحمن شكري وعبد القادر المازني، إلا أن ملامحه لم تكتمل إلا بجهود الرابطة القلمية وشعراء المهجر: إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران...وجماعة أبولو : زكي أبو شادي، أحمد رامي وأبـو القاسم الشابي.

 3- الخصائص:

   لقد حقق الرومانسيون مكاسب هامة للارتقاء بالقصيدة الحديثة والمضي بها نحو درجات النضج والاكتمال. فقد مكنوا الشاعر من التعبير عن تجاربه بلغة سهلة، وجعلوا الصور البيانية نابعة من المعاناة الشخصية، لا من الذاكرة المجتمعية. كما اتسمت قصائدهم بوحدة عضوية تقوم على اختلاف الأوزان وتنوع القوافي وحروف الروي. وعلى العموم فقد انفردت التجربة الرومانسية بجملة من الخصائص يمكن أن نرصدها من خلال المستويات التالية:

أ- البنية المعجمية:

   اتخذ الشاعر الوجداني من الذات ومن الطبيعة محورا لأشعاره، عبر التأمل الفلسفي في علاقته بذاته أو بالكون، والتعبير عن موقف الشاعر من الحياة والموت، الفناء والخلود، والهروب إلى الطبيعة رمز الصفاء والتلقائية، حيث سيادة قيم الخير فقط. 

وانسجاما مع هذا التوجه الفلسفي، وظف الشاعر الرومانسي معجما متداولا في غالبيته، بعيدا عن التعقيد اللفظي، ويحمل دلالات إيحائية. حقوله المهيمنة مرتبطة بالذات والطبيعة، وينتظم غالبا في ثنائيات ضدية كاليأس والأمل، الخير والشر، التفاؤل والتشاؤم...

 ب- البنية الإيقاعية:

   الموسيقى في الشعر الرومانسي ركن لا غنى عنه، تقوم على التحرر من التزام القافية الواحدة، وتتميز بالجمع بين المحافظة على النظام التقليدي والثورة عليه، عبر تنويع القوافي وحروف الروي، تبعا لتغير العواطف والأفكار، وفي بعض الأحيان عبر الميل إلى الشعر المنثور.

ج- بنية الصور الشعرية:

   إذا كانت الصورة الشعرية عند المحافظين تتسم بالجزئية وتخضع لمنطق العقل الذي يقيد الخيال، وتروم التزيين والإفهام والتوضيح، فإنها لدى الرومانسيين تضطلع أكثر بوظيفة تعبيرية إيحائية. ولما كان الشعر الرومانسي يقوم على مبدأ اللجوء إلى الطبيعة، فإن صوره ارتبطت كثيرا بالخيال الذي ينسجها وبالعاطفة التي تقتضيها.

والصورة الشعرية لدى الرومانسيين تكرس مبدأ الغموض لكونها تتوسل بالتشخيص  والتذويت كتقنية للإيحاء والتكثيف العاطفي.

الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانيةالصفحة 39.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-