رواية اللص والكلاب:
1. القراءة التوجيهية:
1.1. قراءة في العنوان:
لا شك أن عناوين الروايات تتباين تباينا كبيرا من حيث
الطريقة التي صيغت بها مكوناتها، أو من حيث مقوماتها. وبحسب هذا الاختلاف تتنوع الدلالات
التي يمكن أن تحيل عليها أو الآثار التي قد تخلقها في ذهن المتلقي. وعادة ما تتخذ
العناوين مظاهر وصيغا عدة، حيث تكون بسيطة أو مركبة، لكنها في جميع الحالات تضطلع
بوظيفة أساسية تتمثل في خلق أفق التوقع والانتظار لدى القارئ، لأنها تختزل مؤشرات
دالة على ما يزخر به النص من بعيد المعاني وعميق الدلالات.
عندما نحاول مقاربة رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ تستوقفنا
طبيعة المركب الاسمي المكون للعنوان، وخصوصيته بين أنماط العناوين التي اقترحها
لرواياته وذلك لاعتبارين أساسيين:
أ. تركز رواية اللص والكلاب على مقوم الشخصيات، لأنها تربط بين" اللص "
و " الكلاب ". وإذا كانت صفة اللصوصية تحيل مباشرة على سلوك لا أخلاقي
فإن الكلاب في علاقتها باللص، لا يمكن إلا أن تشير إلا إلى بعد تعييني واحد وهو
المطاردة. هذه القراءة تعني أن هذه الكلاب مدربة وليست كأي نوع آخر من الكلاب العادية،
أي إنها كلاب البوليس.
وقراءة العنوان بهذا المعنى يوجه اهتمام
القارئ إلى البحث في الفعل أو الحدث الذي جعل نجيب محفوظ يجمع بين عالمي الشخصيات
(اللص والكلاب)، والذي استدعى هذه المطاردة. لأن احتمال المطاردة هنا يعني أن ثمة
جري مة ق - تل مثلا، وأن اللص مطلوب للعدالة لفعله الشنيع ضد المجتمع.
والعنوان بهذا المعنى يدفع المتلقي إلى طرح تساؤلات منطقية
هي التي تحدد أفق الانتظار لديه، من قبيل من هو اللص؟ ما الفعل الذي اقترفه؟ وكيف
تتحقق المطاردة؟ وعليه من خلال القراءة أن يتتبع الحيل والأساليب التي سيوظفها
البوليس للإمساك به.
ب. إن الجمع بين اللص والكلاب في عنوان الرواية يجعلنا ننتبه
إلى اختلاف واضح بين عالمي هذه الشخصيات: عالم إنساني يمثله اللص، وعالم الحيوان الذي
يعكسه حضور الكلاب. هذا الختلاف يبين كيف أن محفوظا قد جمع بين مقومين متناقضين انساني
وحيواني، وهو بهذا الجمع يجعلنا مضطرين لصياغة افتراضين منطقيين لكن متناقضين:
- الافتراض الأول بسيط يدفعنا الى
فهم العنوان فهما بسيطا وعاديا: لص مجرم يقترف فعل السرقة أو الق- تل، وكلاب
بوليسية مدربة تطارده رفقة رجال البوليس.
- أما الافتراض الثاني فسيدفع القارئ
إلى طرح أسئلة متعددة عن هوية اللص وعن الدافع إلى اللصوصية، كما سيدفعه إلى
التساؤل عما إذا كانت هذه الكلاب حقيقية أم هي شخصيات بشرية، لكنها لممارسات
لا أخلاقية معينة أسقطت عنها صفة الإنسانية و ألصقت بها صفة الكلاب.
لكن رغم بساطة العنوان وطابعه المباشر، إلا أنه لا يمكننا
الاطمئنان إلى هذا الافتراض البسيط. لأننا إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة روايات
نجيب محفوظ سنجد أنه ليس كاتب روايات بوليسية وأن الرواية البوليسية لم تثر اهتمام
الروائيين العرب على الأقل في تلك الفترة.
وإذا دفعنا هذا الافتراض البسيط فسيبقى أمامنا تصور كون
دلالات اللص والكلاب متعددة المعاني والإيحاءات، وأن نجيب محفوظ حتى وإن وظف بعض
السمات الخاصة بشخصياته بكيفية تعيينية فإنه سيحملها دلالات وأبعادا لا تقف عند
الحدود البسيطة التي نجدها عادة في الحبكة البوليسية. ويتعين علينا بناء على ذلك
أن نفتح احتمالات القراءة على أبعاد تتجاوز الافتراض البسيط للعلاقات بين الشخصيات
في الرواية.
2.1. عتبة المؤلف:
نجيب محفوظ من أكبر الروائيين العرب في القرن العشرين. حظي
بشهرة واسعة بفضل الدور الكبير الذي اضطلع
به في تطوير الرواية العربية. ومنذ أن ثبت أقدامه في مجال الكتابة الروائية أصبحت
هذه الأخيرة فنا أدبيا له مكانته وجمهوره وازداد مستوى الاهتمام به ابداعيا وفنيا.
ولد محفوظ بحي الجمالية بالقاهرة يوم 11 دجنبر ،
وتابع تكوينه الأساس بالكتاب قبل أن ينتقل الى مدرسة بين القصرين الابتدائية. حصل
على شهادة البكالوريا من مدرسة فؤاد الأول ، والتحق بكلية الآداب ليتخرج من قسم
الفلسفة سنة .1934 عمل في عدد من الوظائف الرسمية: سكرتيرا برلمانيا لوزارة
الأوقاف، ثم عاملا بمكتبة الأزهر، فمديرا لمؤسسة القرض الحسن، إلى أن عين رئيسا
لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما سنة 1966. أحيل على التقاعد سنة 1971 فانضم
الى مؤسسة الأهرام.
نال محفوظ عددا من الجوائز توجت بحصوله على
جائزة نوبل في الآداب سنة 1988 عن روايات (أولاد حارتنا، الثلاثية، ثرثرة فوق
النيل، والمجموعة القصصية دنيا الله). توفي في غشت 2006 عن عمر يناهز الرابعة
والتسعين عاما، وقد أثمرت كتاباته أكثر من خمسين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية
قصيرة فضلا عن كتب أخرى تضمنت مقالات في الشؤون العامة.
2.2. طبيعة المؤلف:
جاءت رواية اللص والكلاب مبنية في قالب بوليسي. لأن هناك
جري مة ق - تل يقوم بها بطل الرواية بعد خروجه من السجن، فتتم مطاردته وتنتهي
بالاستسلام. لكن هذه البنية لا تجعلنا نسلم اننا أمام رواية بوليسية لأن محفوظا لم
يؤلفها لتكون كذلك. بل قصد استغلال حدث اجتماعي واقعي حاول من خلاله أن يبدع رواية
يدين فيها واقعا اجتماعيا لم يكن في صالح الشعب. لذلك نجد الكثير من النقاد يدرجون
هذه الرواية في إطار الروايات الرمزية، وهي مرحلة إبداعية انتهجها الكاتب بعدما
تجاوز مرحلة الكتابة الواقعية.
3.2. المناصات:
تخلو الرواية من أي مناص باستثناء ما يتصل بالمحتويات،
والتي وردت مباشرة بعد عنوان الرواية، وتشمل صفحة المحتوى وفهرس الفصول وأرقام
الصفحات التي تحيل عليها، لتبدأ بعد ذلك الفصول تباعا مرتبة بأرقام دون عناوين.
وفي نهاية المؤلف نجد مناصا آخر بعنوان أعمال الكاتب عبارة عن مسرد لإنتاجات محفوظ
الإبداعية مرتبة حسب زمن طبعتها.