الشخص والهوية

 

الشخص والهوية


ما الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص؟ هل تقوم على أساس الثبات أم التغير؟

 مفهوم الهوية:

   إذا اعتبرنا أن الشخص ذات واعية عاقلة مدركة، حرة مريدة ومسؤولة عن أفعالها، فكيف يمكن تحديد مفهوم الهوية؟ 

يشير مفهوم الهوية إلى الماهية. أي الجوهر، وإلى كل ما "هو هو"، أي إلى حالة التطابق. ومنها اشتقت كلمة identité

   ويمكن تحديد مفهوم الهوية فلسفيا بحقيقة الشيء من حيث تميزه عن الآخر. أي كل ما هو أبدي وجوهري في الأنا أي ما يجعل الشيء "هو هو" . 

   فكيف تتحدد هوية الشخص إذا؟ وعلى أي أساس تقوم؟ وما الذي يجعل الشيء هو هو؟ هل هوية الشخص معطى ثابت وجوهري، أم إنها شيء متغير يرتبط بالصراع؟ 

 سقراط:

   إذا رجعنا إلى تاريخ الفلسفة، وانطلاقا من الفلسفة اليونانية، سنجد أن إشكالية البحث في موضوع هوية الشخص ترجع إلى الجذور الأولى للفلسفة، حين قال سقراط قولته الشهيرة "أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك". وهي أول نداء للبحث في ما يحدد هذا الكائن ويُمَكن من التعرف على ماهيته. 

ديكارت:

   ومع الفلسفة الحديثة، وبالخصوص مع ديكارت، أصبح ينظر إلى الشخص في إطار فكري، كذات مفكرة مستقلة، وذلك من أجل بناء مفهوم للفرد، كأحد المقومات الأساسية لمنظومة الحداثة. حيث يرى ديكارت أن هوية الشخص تتحدد باعتباره ذاتا عاقلة مفكرة، وذلك ما توصل إليه كحقيقة ثابتة من خلال منهج الشك الذي قاده إلى حقيقة يقينية يمثلها الكوجيتو " أنا أفكر إذا أنا موجود". هوية الشخص إذا حسب ديكارت ثابتة لا تتغير وتكمن في الفكر الذي لا يجد الشك إليه طريقا. حيث تساءل ديكارت " أي شيء أنا ؟ "، فأجاب: أنا ذات مفكرة. وأضاف إلى ذلك في كتابه " التأملات "، كقاعدة عامة: " أنا موجود ما دمت أفكر. فقد يحصل أنني متى انقطعت عن التفكير انقطعت عن الوجود ". 

 إذا كان هذا التصور يرى أن هوية الشخص ثابتة لا تتغير، وأنها معطى أصلي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أليس هناك حالات سيكولوجية وذهنية تبين أن هوية الشخص تتغير في حالات فقدان الذاكرة والنوم وفي حالة انفصام الشخصية؟

جول لاشوليي:

هذا ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي جول لاشوليي، الذي تساءل حول حقيقة أننا نكون دائما شخصا واحدا، وأن هناك عنصر ثابت فينا. ويسجل عدة ملاحظات تنفي هذه الفرضية، منها حالات النوم وفقدان الذاكرة، وحالات انفصام الشخصية. إلا أن لاشوليي عاد ليؤكد أن للشخص "أنا" عامة هي التي تحدد هوية الشخص، انطلاقا من عنصرين يضمنان هذه الهوية وهما: دوام نفس المزاج أو الطبع وترابط الذكريات. هذا الأمر يجعل هوية الشخص ليست معطى أوليا، أو أصليا، وإنما صدى لإدراكاتنا الماضية يتردد في إدراكاتنا الحاضرة. 

  إن ما ذهب إليه جول لاشوليي هو محاولة لتحديد هوية الشخص، من خلال المزاوجة بين ما هو فلسفي وسيكولوجي. لكن، ماذا يمكن القول لو أننا أخذنا هوية الشخص فقط من المنظور السيكولوجي، وبالضبط من زاوية التحليل النفسي وتركنا الفلسفي جانبا؟

 سيجموند فرويد:

   في هذه الحالة، نستحضر مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد، الذي يعتبر أن أساس هوية الشخص قائم على نوع من الصراع الداخلي بين البنيات الثلاث المكونة لنفسية الشخص، وهي: الهو " منطقة الغرائز والرغبات والميولات "، وبين الواقع الخارجي "السياق المادي لتواجد الأنا "، وبين الأنا الأعلى الذي يعتبر منطقة المثل الاخلاقية. هذه البنيات الثلاث تحمل رغبات متناقضة. وتحاول كل واحدة منها أن تفرض سلطتها على الأنا، مما يؤدي إلى نوع من القلق السيكولوجي، يضطر معه الأنا إلى استعمال أنواع مختلفة من الكذب والتمويه والرياء، لتجاوز فشل هذا التوفيق. وهكذا فهوية الشخص محكومة بنوع من الصراع الداخلي الدينامي. 

استنتاج:

   يستنتج مما سبق، أنه لا يمكن الحسم نهائيا في كون هوية الشخص ثابتة أم متغيرة. لكن ما يمكن قوله هو أن هوية الشخص ليست ذات بعد أحادي، بل هي ذلك الواحد المتعدد الذي يجمع في تركيبه بين ما هو سيكولوجي وذهني، وما هو اجتماعي وثقافي، إضافة إلى ما هو بيولوجي. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا يرتبط بمفهوم القيمة والذي يمكن صياغته على الشكل التالي ما أساس قيمة الشخص؟ 

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-