مميزات القصة القصيرة واتجاهاتها

مميزات القصة القصيرة واتجاهاتها:

نشأة القصة القصيرة:

      تؤكد الدراسات الناشطة منذ الخمسينات حول نشأة القصة في الأدب العربي الحديث أنها كانت حاجة اجتماعية قبل أن تكون حاجة فنية. بمعنى أن اضطلاعها بوظيفتها كان أبرز الدوافع إلى كتابتها، ولعل هذا ما يفسر ذلك التلكؤ الطويل الذي عاشته حتى انخرطت في زمنها الفني الخاص، وأنجزت تجاربها.

       وهذه الحاجة الاجتماعية إذا كانت قد ربطت الكاتب بالالتزام في التعبير عن قضاياه الحياتية أو قضايا مجتمعه العامة، في مرحلة مبكرة، فإنه، مع الزمن، أمكن انطلاقه من أسر هذين القيدين، نسبيا لصالح التعبير الفني الذي أصبح متوخى أكثر، باعتبار أن القصة القصيرة لم تعد خبرا يروى، بل أصبحت حدثا ينمو ويتطور من خلال رؤيا الكاتب.

مميزات القصة القصيرة:

         وإذا كان للشعر مصطلح نقدي قديم تطور في العصر الحديث حين استفاد من العلوم الألسنية،والاجتماعية، والنفسية، والأنتربولوجية، وإذا كان للرواية مصطلح نقدي خاص بها باعتبارها تناقش قضايا أساسية عبر تطور الشخصية والأحداث، فإن القصة القصيرة، باعتبارها لا تناقش قضية ما بتوسع ولا تصور تطور شخصية ما، إنما هي شعور خاطف، ولحظة من عمر الزمن، ومن الصعب القبض على هذا الشعاع السريع أو تجميده لفحصه وتحليله، ففي هذه الحالة إما أن نزيد في تضخم هذه الخاطرة، أو نقلل من نوعية وكمية هذا الشعور، ولذلك يصعب نقد القصة القصيرة، لنوعيتها الخاصة، ولكونها فنا أدبيا ناشئا وجديدا يعبر عن "الصوت المنفرد" للرجل الصغير في الحياة الحديثة، أو صوت الجماعات المغمورة في تطورها عبر المراحل التاريخية. وقد ارتبطت "تاريخيا" بالطبقة الدنيا، وعبرت عن همومها ومطامحها، باعتبارها الفن الذي يملك الكثافة الشعرية والرؤيا الفنية.

       وإذا كانت الرواية تلائم شكلا معينا من الحياة الاجتماعية، أو هي نتيجة لظروف موضوعية تمثلت في الوقت الفائض اللازم لقراءتها وكتابتها، فإن الحياة المعاصرة أصبحت أكثر تعقيدا، وتسارع إيقاعها بشكل مذهل، الأمر الذي دفع إلى البحث عن فن موجز وسريع، له كثافة الشعر وتركيزه، فكانت القصة ثم القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، باعتبارها تقنيات أدبية مستحدثة، تأخذ بعين الاعتبار وقت القارئ والمبدع، و تعبر عن أزمة الفرد في عصر السرعة والاختزال، من خلال ومضات هي إلى البرقيات الموحية أقرب.

تعريف القصة القصيرة:

      و القصة القصيرة فن درامي أداته اللغة، أسلوبه الحوار و السرد، قليل الكم يقرأ في جلسة واحدة، ويتميز بوحدة الانطباع. وفي بناء القصة القصيرة يتداخل الشعر بالنثر لأنه أقرب الفنون إليها. وكاتبها يؤكد الإحساس بالدراما والشعر، وهو فنان شديد الفردية يتلقى الحياة بحساسية خاصة  وتغلب عليه انطباعاته، ولا تفرغ نفسه لتسجيل التفاصيل التي لا تتصل مباشرة بهذه الانطباعات .

      و قد ازدهر فن القصة القصيرة تلبية لحاجات الطبقات الدنيا الآخذة بالنمو والتزايد، كما أدى تطور المسافة إلى هذا الازدهار، وتحديد كم هذا الفن استلزمتها الصحافة إلى جانب الخبر وفرضت صفحاتها المحدودة قصر القصة لتقرأ سريعا وبجلسة واحدة. وقد حدد (إدغار ألن بو ) حجم القصة بمقياس زمني فقرر أنها : " تتطلب من نصف ساعة إلى ساعة أو ساعتين لقراءتها قراءة دقيقة "، بينما ذهب (ج. ولز) إلى تحديد مدة قراءتها بين ربع ساعة وثلثها.

مناهج القصة القصيرة :

       وتختلف مناهج القصة واتجاهاتها، فبعض الكتاب يحرص على أن يقول كل شيء بدقة وتفصيل دون أن يترك للقارئ شيئا يستكشفه، وغالبا ما يعنى هذا النمط بالحداثة والسرد والأسلوب. وهو منهج القصة التقليدية. وهناك منهج آخر يؤثر التركيز على الشخصية فيرسمها بدقة، ويجعلها المحور الذي تدور حوله الأحداث، ثم منهج الاهتمام بالعاطفة الإنسانية وتصويرها في انثيال تياري الشعور واللاشعور. وقد يلجأ بعض الكتاب إلى التركيز على الفكرة المادية، أو الرمزية، أو الأسطورية، وكل جيل أدبي، بل كل أديب في الجيل الواحد، يحاول دوما التجاوز، إن لم يكن المعاصرة على الأقل.

وظيفة القصة القصيرة:

       والقصة القصيرة تعرفنا بشيء نعرفه مسبقا، ونعيده يوميا. وهي تعرضه في شكل لقطة أو جزئية ما، أو فكرة محددة، وهذا يعني أن الأدب إنما يقوم على الإلهام  والتخيل، حيث يقدم الكاتب تجربة يحياها الجميع، ولكن من خلال رؤيا خاصة، مركزة ومكثفة، تهتم بالتعبير عن الوضع النفسي والواقع الاجتماعي  للكاتب، وتحاول الإفصاح عن الذات ومشكلات الواقع، انطلاقا من رغبة قوية في تحرير الواقع من أخطائه وأمراضه. وكلما اتسعت الهوة بين الواقع والمثال احتد صوت الأدب وارتفعت نبرته، لأنه المؤشر الحقيقي إلى وجود خطا ما، وكلما انحلت مشكلة ما التفت الأدب إلى غيرها من آلاف المشاكل التي يعج بها المجتمع، وعلى الخصوص، المتخلف. وبهذا يكون الأدب محررا لا مخدرا، والأديب رائدا لا بوقا.

محمد عزام : اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب،

منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1987, ص9 وما بعدها ( بتصرف ).

 





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-