أزمة العالم الرأسمالي الكبرى لسنة 1929:

 

أزمة العالم الرأسمالي الكبرى لسنة 1929:

تقديم إشكالي:

   ماهي مظاهر أزمة العالم الرأسمالي الكبرى سنة 1929 ؟ولماذا حدثت الازمة؟ وماهي القطاعات الاقتصادية والمجالات الجغرافية التي مستها ؟ وماهي أبرز التدابير التي اعتمدها العالم الرأسمالي لمواجهتها؟

مظاهر الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929 والعوامل المفسرة لها:

   مظاهر الأزمة الاقتصادية الكبرى:   

انطلقت الأزمة العالمية من بورصة وول ستريت يوم الخميس الأسود 24 أكتوبر 1929، حين عرضت13مليون سهما وتراجع الطلب عن شرائها. وتزايد العرض في الأيام الموالية، فانخفضت قيمة الأسهم، وعجز المضاربون ورجال الصناعة عن تسديد ديونهم للبنوك. فانتقلت الأزمة إلى البنوك (إغلاق 40 ألف بنك ما بين 1929 و1932)، والفلاحة والصناعة والتجارة. كما تم تسريح العمال، فانتشرت البطالة والبؤس.

   ومن الولايات المتحدة الأمريكية انتقلت الأزمة إلى الدول الأوربية كفرنسا وإيطاليا وانجلترا وألمانيا وغيرها....بسبب سحب البنوك الأمريكية لأموالها من نظيرتها الأوربية، وبسبب العلاقات التجارية. ومن أوربا انتقلت الأزمة إلى المستعمرات بسبب تراجع الطلب على المواد الأولية. كما وصلت إلى اليابان واستراليا وغيرها، بينما ظل الاتحاد السوفياتي بعيدا عن تأثير الأزمة بسبب نهج سياسة التخطيط من طرف ستالين لتحقيق التنمية الداخلية، وعدم ارتباطه في ذلك بالدول الرأسمالية.

   العوامل المفسرة لحدوث الأزمة: 

   -  مبالغة الولايات المتحدة في تطبيق مبادئ الرأسمالية: حيث اعتمدت التوجه الرأسمالي القائم على الملكية الفردية والمبادرة الخاصة. فتنامت المنافسة الاقتصادية والمالية بين الأفراد والمؤسسات والشركات، وتزايدت حدة المضاربات بالبورصة. وقد أدى ما سبق إلى انهيار قيمة الأسهم، وإفلاس المؤسسات البنكية والفلاحية والصناعية والتجارية. وعمت البطالة وتدهورت القدرة الشرائية وانتشر البؤس، واكتسح الركود الاقتصادي الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها امتد إلى باقي مناطق العالم باستثناء الاتحاد السوفياتي.

   - مخلفات الحرب العالمية الأولى على النظام الرأسمالي: إذ ساهمت ظروف الحرب العالمية الأولى في ازدهار اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بعد الحرب تضخم إنتاجها وتعذر عليها تسويقه ،لأن زبناءها بأوروبا الغربية عملوا على إحياء اقتصاداتهم ،ونتج عن ذلك بداية الركود الاقتصادي الأمريكي.

   - خطورة النظام الاستهلاكي الأمريكي: بعد تنامي اقتصادها بعد الحرب العالمية الأولى، شرعت الولايات المتحدة في تشجيع سياسة القروض للاستهلاك والاستثمار والمضاربة. لكن هذه السياسة وإن ساهمت في بروز رخاء اقتصادي، إلا أنها تسببت لاحقا في إفلاس الأفراد والشركات والأبناك بعد انهيار قيم الأسهم بالبورصة.

مظاهر انتشار الازمة الاقتصادية الكبرى قطاعيا ومجاليا:

   مظاهر انتشار الأزمة قطاعيا:

  - مظاهر الأزمة على المستوى الاقتصادي: تمثلت في إفلاس الفلاحين بسبب مصادرة الأبناك لممتلكاتهم بعد عجزهم عن تسديد ديونهم. كما تضخم الإنتاج الصناعي وقل الطلب عليه، فتدهور ت أسعاره مما ساهم في إفلاس رجال الصناعة. وقد ترتب عن الأزمة الفلاحية والصناعية إفلاس المؤسسات التجارية.

  - مظاهر الأزمة على المستوى الاجتماعي: نتج عن مظاهر الأزمة الاقتصادية ارتفاع نسبة البطالة ما بين 1929 و 1932 خاصة بكل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية ومستعمراتها. وقد ساهم ذلك في تنامي الهجرة الفردية والجماعية، وتصاعد الاحتجاجات والإضرابات، فعم البؤس كل البلدان .

  - مظاهر الأزمة مجاليا:

   انطلقت الأزمة الاقتصادية الكبرى من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الصدمة المالية ببورصة وول ستريت يوم الخميس الاسود من أكتوبر. واكتسحت بلدان أمريكا الجنوبية واليابان وأوروبا الغربية في نفس السنة، بسبب الارتباط التجاري والمالي بالاقتصاد الأمريكي. حيث سحبت الولايات المتحدة الأمريكية ودائعها المالية وانقطعت وارداتها. ومن أوربا امتدت الأزمة إلى المستعمرات الأوربية، الفرنسية والإنجليزية، بإفريقيا وآسيا واستراليا ابتداء من سنتي 1931و1932 . ويعتبر الاتحاد السوفياتي البلد الوحيد الذي لم يشهد الأزمة بسبب اعتماده سياسة اقتصادية اشتراكية ارتكزت على المخططات والإمكانيات الداخلية.

التدابير التي اعتمدت لمواجهة الأزمة العالمية :(الخطة الجديدة NEW DEALبالولايات المتحدة الأمريكية نموذجا):

   مبدع الخطة:

   يعتبر الرئيس روزفلت صاحب الخطة الجديدة . واستعان الرئيس بفئة من الباحثين الجامعيين(تروست الأدمغة)، وبتبني آراء الليبراليين الجدد (نظرية كينز) لوضع الخطة الجديدة " 1938-1934New Deal " التي نقلت البلاد إلى الرأسمالية الموجهة. وترتكز على مراقبة الدولة لعملية الإنتاج والتسويق، وتقديم المساعدة للقطاعات الاقتصادية المتضررة، كتقديم مساعدات للفلاحين وتنظيم البنوك والبورصة والمؤسسات الصناعية، فضلا عن تخفيض ساعات العمل لفتح المجال للتشغيل وتخفيض قيمة الدولار لتشجيع الصادرات، وإنجاز الدولة للأشغال الكبرى لمواجهة البطالة. ونتج عنها نمو الإنتاج وارتفاع الأسعار وتزايد الصادرات وتراجع عدد العاطلين.

   أسس وأهداف الخطة:

   توسيع وظائف الدولة عن طريق التدخل في توجيه الاقتصاد باتباع السياسة الليبرالية الموجهة، بهدف حماية المؤسسات الاقتصادية من الخراب  وتوفير الشغل للشعب، بإنجاز الأشغال الضرورية بهدف إنعاش استعمال الموارد الطبيعية ، إضافة إلى رفع الأسعار والرفع من القدرة الشرائية بهدف تشجيع الإنتاج، إلى جانب مراقبة النقل والمواصلات والعمليات المالية والاستثمارية للأبناك، وكذا وضع حد للمضاربين.

   مراحل تنفيذ الخطة:

   امتد تطبيق الخطة على مرحلتين:

- المرحلة الأولى بين 1934-1935:

   سنت فيها مجموعة من القوانين وهي:

* قانون الإنقاذ البنكي، المتمثل في تخفيض قيمة الدولار، وإغلاق البنوك بشكل مؤقت. إضافة إلى سحب الودائع المالية من الأبناك الأوربية.

* قانون التوازن الفلاحي: الذي استهدف تخفيض الإنتاج للرفع من الأسعار.

* قانون إصلاح الصناعة الوطنية: بمنع تشغيل الأطفال وتحديد ساعات العمل، وتحديد الحد الأدنى للأجور.

* القانون التجاري: حيث تم تخفيض الرسوم على الصادرات ونهج السياسة الحمائية ضد الواردات.

* قانون الرعاية الاجتماعية الذي قدم الدعم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وأقر التأمين على البطالة والعجز والشيخوخة.

- المرحلة الثانية بين 1936-1938:

حيث تم إحداث المكتب الوطني للشغل، وإنجاز الأشغال العمومية الكبرى لتوفير فرص العمل، كتشييد السدود وبناء الطرق والجسور وترميم المدن والتشجير...

   نتائج الخطة:

- النتائج الاقتصادية: تمثلت في ارتفاع الإنتاج الفلاحي والصناعي، وارتفاع حجم المبادلات التجارية الأمريكية، إضافة إلى توفير مداخيل لميزانية الدولة وإعادة التوازن إليها.

- النتائج الاجتماعية: تجلت في توفير مناصب التشغيل، وتخفيض نسبة البطالة، فضلا عن تحسن الدخل الفردي وتزايد القدرة الشرائية ونمو الاستهلاك.

خاتمة:

    وضعت الأزمة الاقتصادية حدا لازدهار الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي السائد منذ القرن 19، وأحيت الصراعات الدولية ممهدة لحرب عالمية ثانية.

ذ. الحسين أوبنلحسن: أستاذ مادة الاجتماعيات.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-