العلاقة مع الغير:

 

العلاقة مع الغير:

 

إشكال المحور:

ما طبيعة العلاقة بالأنا والغير؟ هل هي علاقة تكامل أم صراع؟

أرسطو:

يؤكد هذا الفيلسوف اليوناني أن العلاقة مع الغير تتأسس على الصداقة. وتقوم الصداقة على الفضيلة كقيمة أخلاقية ومدنية تنبني على محبة الخير والجمال. والصداقة مطلب ضروري للحياة الاجتماعية. فبدون أصدقاء لا أحد يرغب في العٌش حتى ولو كان ينعم بجميع الخيرات الأخرى. ومهما كان عمر الإنسان ومرتبته الاجتماعية، لا غنى له عن الأصدقاء: فذوو المناصب وأصحاب السلطة العليا يحتاجون إلى الأصدقاء. والصداقة هي الملاذ الوحيد في حالة البؤس والشدائد المختلفة (المرض، الأزمة المالية ...). والشاب في حاجة إلى الصداقة لتعصمه من الزلات، والشيخ في حاجة إليها حين تضعف قواه ويقل نشاطه، حتى يجد من يعتني به ويساعده. والقوي في حاجة إليها لإتمام أعماله.

إن الصداقة علاقة تنبني على الاحترام و الحب المتبادل. والحب إحساس فطري في قلب الإنسان، يجعله ينجذب نحو غيره. كما أن الصداقة هي رابطة اجتماعية وسياسية بين الدول والشعوب. فلو ربطت الصداقة بين الناس لما احتاجوا إلى قوانين تنظم علاقاتهم وتعدل بينهم. لكن مهما عدلوا لا غنى لهم عن الصداقة.

ألكسندر كوجيف:

يشرح كوجيف علاقة الأنا مع الغير كما جاء بها الفيلسوف فريدريك هيجل. ويؤكد أن هذه العلاقة تقوم على الصراع من أجل نيل الاعتراف وفرض الهيمنة، ولا يتحدد الوجود البشري إلا بهذه العلاقة. فالإنسان يوجد إما كسيد للغير أو كعبد له. إن وعي الذات لذاتها يستلزم حضور وعي آخر يعترف بها كذات واعية مستقلة. لكن هذا الاعتراف ال يمنح بشكل سلمي، وإنما ينتزع عبر صراع يخاطر فيه الطرفان بحياتهما. وهذا يعني أن كل طرف يسعى إلى موت الآخر. لكن الموت لا يسمح بتحقيق الاعتراف الذي يطمح له الطرفانلذلك لا بد أن يتصارع الطرفان ويبقيا معا على قيد الحياة، وأن يكونا غير متكافئين أثناء الصراع وبواسطته. يعني أن يكون أحدهما أقوى من الآخر وأن يهاب أحدهما الآخر.

وهكذا يتقابل وعيان مختلفان: أولهما وعي خالص لذاته وحياته، يخاطر بحياته من أجل الاعتراف به كذات واعية مستقلة، وهذا هو السيد. والثاني وعي ليس وعيا لذاته وإنما هو وعي من أجل وعي آخر، يرفض المخاطرة بحياته، ويتخلى عن رغبته في الاعتراف به، ويرضي رغبة الآخر، وهذا هو العبد الذي يعترف بالآخر كسيد له ويعترف بذاته كعبد. إن المجتمع البشري لا يتكون إلا في إطار هذه العلاقة، وتاريخ هذا المجتمع هو تاريخ التفاعل بين السيادة والعبودية.

تركيب:

يمكن القول في نهاية هذا المحور :

- إن العلاقة مع الغير قد تكون علاقة تكامل وتسامح واحترام، بعيدا عن كل ميل نحو امتلاك الغير والاستحواذ عليه، إذا بنيت هذه العلاقة على الصداقة كفضيلة أخلاقية.

-  لكن علاقة الأنا مع الغير لا تخلو من صراع وتنافر يظهر في العلاقة التشييئية التي تسلب الذات حريتها (سارتر)، والصراع من أجل نزع الاعتراف (كوجيف).

-  الغير كيفما كان فردا أو جماعة أو ثقافة، قريبا أو بعيدا، هو جزء لا ينفصل عن الذات. يمنحها الوجود والوعي، لذلك لابد من إقامة علاقة معه. وترتبط قيمة هذه العلاقة بمدى معرفة كل طرف لذاته وللآخر.

ذ.عبد الكبير الطالب: أستاذ مادة الفلسفة.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-