المعرفة التاريخية:

 


المعرفة التاريخية:

مفهوم : التاريخ:

تأطير إشكالي:

  التاريخ في دلالته اللغوية العربية اسم لفعل أرخ. أرخ الكتاب، أي بين وقت كتابته. فالتاريخ،إذن، هو التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال والحوادث والوقائع المرتبطة بالإنسان.

   هذا المعنى تؤكده الكلمة الفرنسية Histoire التي تشتق من الكلمة اللاتينية Historia التي تعني بحث وتقصي الأحداث والوقائع المرتبطة بعصر أو أمة، أو فرع من فروع الفكر الإنساني.

  يمكن القول : إن التاريخ هو ذاكرة الإنسان بمختلف أنشطتها المادية والفكرية. فهو يطلعنا على أفكار وأفعال الإنسان الذي ينتسب لمجتمع أو حضارة ما.

  ويهدف هذا المفهوم إلى إبراز البعد التاريخي للوضع البشري، باعتباره سيرورة جماعية تعكس صراع الإرادات والمصالح البشرية.

فما هي المعرفة التاريخية؟ وكيف تكون ممكنة؟ هل نستطيع تكوين معرفة علمية موضوعية بالتاريخ؟ هل يتم ذلك عن طريق سرد الأحداث والوقائع الماضية أم إن الأمر يتطلب النظر العقلي و التحقيق والتفسير؟ هل تفيدنا هذه المعرفة في الكشف عن منطق التاريخ ورسم وجهة محددة لسيرورته؟ أي دور للإنسان في التاريخ؟ هل الإنسان فاعل تاريخي وصانع فعلي للتاريخ أم إنه خاضع لمنطقه ومنفذ لغاياته؟

 المعرفة التاريخية:

إشكال المحور:

كيف يمكن بناء معرفة بالتاريخ ؟ هل يتم ذلك عن طريق سرد الأحداث والوقائع

الماضية أم إن الأمر يتطلب النظر العقلي و التحقيق والتفسير؟

عبد الرحمان بن خلدون :

يؤكد بن خلدون أن اقتصار المؤرخ على نقل الأحداث وسردها، لا يكفي لتكوين معرفة موضوعية بالتاريخ، لأن هذه المعرفة تتطلب نظرا عقليا دقيقا وبحثا عن أسباب الوقائع وتفسير كيفية حدوثها.

إن التاريخ فن متداول في جميع الأمم والحضارات. وهو علم تسعى إلى معرفته كل الفئات

الاجتماعية من حكام وعلماء وعامة... وهو تعبير عن سيرورة العمران البشري أي الحياة الجماعية للبشر. ويمكن التمييز في التاريخ بين ظاهر وباطن: فظاهر التاريخ هو مجرد سرد للأحوال المختلفة للناس الذين عاشوا في الزمن الماضي، ونقل أخبارهم، ووصف لأحوال دولهم... أما باطنه فهو محاولة لمعرفة الوقائع الماضية، وفهم أسباب وكيفية حدوثها. وتحقيق هذا المطلب يقتضي النظر إلى الواقعة نظرا عقليا واعتماد منهج التفسير والتحليل والتحقيق، لمعرفة حقيقتها.

وللمعرفة التاريخية فوائد كثيرة: فمعرفة الماضي بشكل صحيح تمكننا من فهم ما يجري في

الحاضر بشكل صحيح. ومعرفة أحوال الأمم السابقة، والاطلاع على أخلاقهم وسياسات دولهم وملوكهم، تبين لنا كيف دبروا شؤونهم ونظموا علاقاتهم وأسسوا دولهم...وهو ما يعطينا فائدة الاقتداء في الحاضر.

إلا أن الاقتصار على نقل وسرد الأخبار، واستبعاد النظر العقلي والمنهجي، غالبا ما يؤدي إلى تكوين معرفة خاطئة حول التاريخ البشري.

هنري إيريني مارو:

التاريخ ليس سردا لوقائع وأحداث ماضية، بل هو معرفة علمية يكونها المؤرخ عن الماضي

الإنساني، باتباع خطوات منهجية منظمة وصارمة. هذه المعرفة يتوصل إليها المؤرخ من خلال بحث ودراسة للوقائع التاريخية، وكشف حقيقتها، وإعادة بنائها.

ويتعارض التاريخ مع كل فهم مزيف للماضي، ومع الروايات التاريخية التي تأخذ طابع العمل الأدبي. كما يتعارض مع الأساطير والحكايات الخيالية والتقاليد الشعبية. ويختلف عن المعرفة العامية التلقائية التي لا تعتمد أي عمل منهجي.

بول ريكور:

إن فهم الوقائع التاريخية يتم من خلال دراسة الآثار المتبقية من الماضي: وثائق مكتوبة، رسوم ونقوش. ومحاولة فهم الوقائع الماضية هو بمثابة إعادة بنائها. حيث يدرسها الباحث بعمل منهجي يرتكز فيه على خطوات منهجية أولها الملاحظة التي تتطلب فحص الوثائق ومساءلتها واستنطاقها. وثانيها وضع الفرضيات للوصول إلى معناها. هذا العمل المنهجي يحول الآثار التاريخية إلى وثائق لها دلالات ومعان، ويمكن الباحث من إعادة بناء الوقائع في سلسلة مترابطة ومفهومة من الأحداث.

تركيب :

يكمن القول في نهاية هذا المحور:

إن التاريخ هو ذاكرة الإنسان. وهو الذي يمنح الإنسان، سواء كان فردا أو جماعة، هويته، فلا وعي بدون ذاكرة تربط الماضي بالحاضر. والمعرفة التاريخية هي محاولة إعادة بناء الماضي الإنساني، من خلال تفسير الوقائع التاريخية وفهم سيرورتها. هذه المعرفة تقوم على خطوات منهجية ولا تقتصر على السرد والنقل والرواية.

ذ. عبد الكبير الطالب: أستاذ مادة الفلسفة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-