التاريخ وفكرة التقدم:
إشكال المحور :
ما
هو المنطق الذي يحكم مسار التاريخ؟ هل هو مسار يحكمه التقدم أم التطور؟
إدوارد هاليت كار:
يقول هذا المفكر
إن التاريخ يحكمه التقدم وليس التطور. وهذا التقدم لا يتجه في خط مستقيم بل يتميز
بالانقطاع وعدم الاستمرارية.
والتقدم le progrèsهو كل تطور كمي أو كيفي سواء كان إيجابيا أو سلبيا (النكوص). ويدل أيضا
على تحسن وانتقال من حالة إلى حالة أخرى. أما التطور l’évolution فيعني النشوء والارتقاء
من البسيط إلى المعقد أو المركب. واعتمد هذا المفهوم في البيولوجيا لتفسير تطور الكائنات الحية.
إن الخلط بين هذين
المفهومين أدى بمجموعة من المفكرين إلى النظر إلى التاريخ كما ينظر إلى الطبيعة.
والحال أن التقدم يرتبط بالتاريخ، والتطور بالطبيعة ( نظرية التطور ل:داروين(..
وما يجعل التاريخ تقدميا هو كونه سيرورة لأفعال البشر وإنجازاتهم عبر العصور. أي إنه مرتبط بسيرورة الحياة الاجتماعية. ولا ينبغي تصور التقدم التاريخي وكأنه ينطلق من نقطة معينة ويسعى لبلوغ غاية أو نهاية، لأن التقدم تعبير عن متطلبات البشر خلال العصور المتعاقبة. كما أن التقدم لا سير في مسار خطي تصاعدي (خط مستقيم)، بحيث يراكم كل عصر ما أنجزه العصر الذي سبقه، بل إن التقدم يتميز بانقطاعات وانحرافات وبعدم الاستمرارية.
هربرت ماركوز :
يميز هذا الفيلسوف
بين وجهين للتقدم التاريخي: تقدم كمي وآخر كيفي. يتمثل التقدم الكمي في تراكم
المعارف، وتطور الكفاءات الإنسانية، وتوجه البشرية إلى تنمية المجتمع والسيطرة أكثر
على الطبيعة بواسطة التقنيات. وهو ما يؤدي إلى
مراكمة الإنجازات وتزايد الثروة وتلبية الحاجات المختلفة للبشر.
أما التقدم الكيفي فهو تقدم يسعى إلى تحقيق إنسانية الإنسان، وذلك بتوسيع دائرة الحرية
والتخلص من الأشكال المتبقية من العبودية والاضطهاد
والقمع والفقر، وترسيخ القيم الأخلاقية المثلى.
كلود ليفي - ستروس:
ينتقد هذا الباحث
التصور الخطي التصاعدي للتقدم. فالتقدم، في نظره، ليس متسلسلا ولا منتظما، لأنه
ينشأ عن قفزات ووثبات أو طفرات فجائية تحدث بتغيرات سريعة تتحول فيها الصفة القديمة
كلية ودفعة واحدة إلى صفة جديدة. ويمكن لهذه
الطفرة أن تأخذ أشكالا واتجاهات مختلفة.
إن تقدم البشرية
لا يسير في نفس الاتجاه. إنه يشبه لعبة النرد التي تؤدي في كل مرة إلى حسابات مختلفة،
كما يشبه خيال الشطرنج الذي يفتح احتمالات كثيرة في كل حركة. إن تقدم المجتمعات البشرية لا يسير
في نفس الاتجاه، بل قد تكون له اتجاهات متعددة ومختلفة، لأن لكل مجتمع خصوصياته وتاريخه
الخاص.
تركيب :
يمكن أن نستنتج من
هذا المحور
:
- أن التاريخ البشري يحكمه التقدم وليس التطور.
- أن التقدم التاريخي له وجهان: تقدم كمي وأخر
كيفي
.
- أن التاريخ البشري لا يتقدم في مسار خطي تصاعدي،
لأن تقدمه قد يعرف الانقطاع
واللا استمرارية،
وقد يتخذ اتجاهات مختلفة ومتعددة.
ذ. عبد الكبير الطالب: أستاذ مادة الفلسفة.