مادة الجغرافيا: تنظيم المجال العالمي في إطار العولمة

 

         تنظيم المجال العالمي في إطار العولمة :  


تقديم إشكالي:

    للعولمة، كظاهرة متعددة الجوانب، انعكاس كبير على تنظيم خريطة المجال العالمي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا.

 - فأين تتجلى مظاهر هذا التنظيم ؟

-  وما المجالات الجغرافية الرئيسية المنبثقة عن هذا التنظيم ؟

 ثم ما أهم مظاهر الترابطات والتدفقات بين هذه المجالات ؟ وما دورها في تنظيم المجال العالمي ؟

 

واقع تنظيم المجال العالمي و تفاوتاته و معايير تصنيفه في إطار العولمة:

    1- تنظيم المجال العالمي و تفاوتاته في ظل العولمة:

تتميز خريطة تنظيم المجال العالمي في ظل العولمة بتباين كبير في مجالاتها الجغرافية ومكوناتها السوسيو اقتصادية. وذلك حسب مستوى اندماج البلدان في مسلسل العولمة، ودورها أو فاعليتها فيه، ومدى استفادتها منه. وهكذا فإن خريطة المجال العالمي حاليا مكونة من ثلاث مجالات هي:

- المجالات المهيمنة أو الثالوت: ممثلة في الأقطاب الاقتصادية الكبرى (الولايات المتحدة وأروبا واليابان).

 - المجالات المندمجة: المرتبطة بالمركز، وتضم البلدان التي استطاعت الاندماج في مسلسل العولمة بإدخال إصلاحات ليبرالية في مجال التجارة والاستثمارات، مثل الدول الصناعية الجديدة الأسيوية، والقوى الصاعدة ثم الدول البترولية.

- المجالات غير المندمجة : هي دول مستغلة ، منتجة للمواد الأولية ) أمريكا الجنوبية ، افريقيا ، آسيا (، تعيش مرحلة انتقالية، أو اقتصادا معيشيا، وتسعى حاليا للتكيف مع شروط العولمة الاقتصادية من خلال القيام بالإصلاح الاقتصادي بنهج اقتصاد السوق.
=> لقد ساهمت ظاهرة العولمة في تعميق الهوة بين دول الشمال الغنية المهمة استراتيجيا واقتصاديا ، وبلدان العالم الثالث (الجنوب (المجبرة على التبعية اقتصاديا وماليا، وتحملها عبء الديون.

   2- بعض معايير تصنيف وتنظيم المجال العالمي في إطار العولمة:

توجد عدة معايير ومؤشرات تستعمل لتصنيف المجال العالمي، وتنقسم إلى قسمين:

أ- المعايير الاقتصادية:

 كمؤشر الناتج الوطني الإجمالي الخام (PNB، ومساهمة الدول في المبادلات العالمية، وفي الاستثمارات العالمية، ودرجة التصنيع، وتجمع هذه المعايير في مؤشر عام هو درجة النمو الاقتصادي.

ب- المعايير الاجتماعية:

 كالدخل الفردي، والتأطير الصحي، وأمد الحياة، ومؤشر التربية والتكوين، ومعيار الفقر. وتجمع هذه المعايير الاجتماعية فيما يسمى بمؤشر التنمية البشرية (IDH).
على أساس هذه المؤشرات السوسيو اقتصادية تصنف دول العالم إلى مجموعتين كبيرتين هما: مجموعة دول الشمال المتقدمة، ومجموعة دول الجنوب النامية أو الفقيرة.

ج- المعيار السياسي:

يصنف المجال العالمي إلى تحالفات سياسية : الجامعة العربية ، منظمة الحلف الأطلنتي OTAN ، رابطة دول آسيا و آسيا الشرقية ASEAN ، منظمة الدول الأمريكية OEA، منظمة الاتحاد الافريقي OUA، ورابطة الدول المستقلة CEI .

وصف بعض مظاهر الترابطات داخل المجال العالمي ودورها في تنظيمه:

    1.  الترابطات أو التدفقات البشرية:

تتخذ إما شكل هجرات سكانية، أو تيارات سياحية. وعموما تؤدي تدفقات الهجرة الدولية إلى انتظام العالم على شكل مجالين كبيرين:


- مناطق مرسلة للهجرة: وهي بلدان العالم النامي في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وأوروبا الشرقية.


- ومناطق مستقبلة أو جاذبة للهجرة: وهي بلدان العالم المتقدم، أي الأقطاب الكبرى كأمريكا الشمالية، وأوربا الغربية واليابان وأستراليا. وتضاف إليها البلدان البترولية في الخليج العربي.


أما تدفقات السياحة، فيلاحظ أن خريطة العالم تنتظم على شكل مناطق مرسلة للسياح وتتركز في أمريكا الشمالية وأوربا الغربية واليابان، ثم مناطق مستقبلة أو جاذبة للسياح وتتمثل خصوصا في البلدان المتوسطية، ومنطقة جنوب شرق آسيا، وبلدان أمريكا الوسطى.

   2. الترابطات أو التدفقات الاقتصادية والمالية:

تكون على شكل تيارات مالية أو تجارية، وهي من الآليات الأساسية لقيام مسلسل العولمة الاقتصادية.
أ- التدفقات المالية:

تتمثل في تنقل رؤوس الأموال وتداول الأسهم والعملات. ويتم أغلبها بين بلدان أقطاب الثالوث الاقتصادي (أمريكا الشمالية، أوربا واليابان) بفعل امتلاكها لكبريات البورصات العالمية وللشركات متعددة الجنسيات التي تعتبر المحرك للرساميل على الصعيد العالمي.

ب- التدفقات التجارية:

 من الأهداف الرئيسية للعولمة تحرير التجارة العالمية لتسهيل الرواج والمبادلات بين بلدان العالم. وتلعب التدفقات التجارية دورا محوريا في تنظيم المجال العالمي، إذ يلاحظ من خلال استقراء خريطة هذه التدفقات تكريس الهيمنة التجارية لأقطاب الثالوث الاقتصادي حوالي 86% من المبادلات العالمية، فيما لا تتعدى مساهمة بقية المجال العالمي 14%. ويلاحظ أيضا أن معظم الرواج التجاري يتم بين بلدان الأقطاب الكبرى من جهة، وداخل هذه الأقطاب الثلاثة نفسها من جهة أخرى.

   3.  الترابطات أو التدفقات الثقافية والفكرية:

لقد حول التطور الهائل لوسائل الاتصال والإعلام، بفعل الثورة الرقمية، العالم إلى قرية صغيرة؛ مما سهل تدفق الأفكار والمعلومات والثقافات، ودعم التواصل الثقافي في العالم. وكان لذلك دور خطير في إعادة تنظيم المجال العالمي؛ فقد تسبب ذلك في زعزعة الهويات المحلية والوطنية والاتجاه نحو التنميط الثقافي واللغوي بإنشاء ثقافة عالمية واحدة وفق النموذج الرأسمالي (ظاهرة الغزو الثقافي). وأدى أيضا إلى تكريس الهيمنة والتبعية الثقافيتين. ويتجلى ذلك في استحواذ الأقطاب الثلاثة الكبرى، أي الولايات المتحدة، والاتحاد الأوربي، واليابان، على %83 من ميزانية الثقافة في العالم.

4. دور التدفقات العالمية والمنظمات الدولية في تنظيم المجال العالمي و ردود الفعل:


الشركات العالمية الكبرى : تؤثر في تنظيم المجال العالمي ومنها ExxonMobil  و Chevron  و    Conoro Philips  بالو.م.أ ، و BP بالمملكة المتحدة وRoyl Dutch/Shell  بالأراضي المنخفضة و المملكة المتحدة ( تختص في قطاع المحروقات ) و شركات Général Motors  و Ford  بالو.م.أ و Diamler Chrysler  بألمانيا وToyota باليابان ( تختص في قطاع صناعة السيارات و شركة Wal Mart Stores  بالو.م.أ . تهتم بالتوزيع الكبير. تمتلك معظم هذه الشركات رقم معاملات ضخما قد يفوق الدخل الوطني للعديد من الدول .


 تملك المنظمات العالمية نفوذا قويا على المستوى الاقتصادي و المالي: كمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE  بباريس ، والمنظمة العالمية للتجارة OMC  بجنيف ، وصندوق النقد الدولي FMI بواشنطن، و البنك العالمي بواشنطن ). يتمثل تدخلها في العالم النامي انطلاقا من معايير جيو سياسية وجيو اقتصادية ، و فرض شروط التقويم الهيكلي ( الانفتاح الخارجي - التحكم في المالية - تقليص النفقات - تشجيع الخوصصة - تخفيض ميزانية التربية و الصحة ... ) إضافة إلى فرض إجراءات زجرية و آليات إجبارية للتحكيم ....


 مواجهة الانعكاسات السلبية للعولمة على تنظيم المجال:
-
 تعاني الدول النامية من الفقر و التهميش و انتشار الأمراض الفتاكة و قلة الماء الشروب، وانتشار السكن غير اللائق وعجز الأنظمة الصحية والمدرسية ....
-
 التدابير لمواجهة هذه الأوضاع : مطالبة دول الجنوب دول الشمال بتطبيق تعهداتها من أجل التنمية وولوج الأسواق، وتخفيض الديون الخارجية أو إلغائها، وإضفاء البعد الإنساني والتضامني على العولمة، إضافة إلى ضرورة الاعتماد على القدرات الذاتية لدول الجنوب بإحداث تكامل اقتصادي وبشري وفكري، والتضامن الأقوى بين جنوب - جنوب.

خاتمة :

لقد حولت العولمة العالم إلى مجال واحد منفتح ومترابط، تتلاشى فيه تدريجيا الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية، وتتساقط فيه الحواجز الاقتصادية، وتزداد بين أطرافه الاتصالات والترابطات. بيد أن هذا التنظيم المجالي المعولم أدى إلى تكريس هيمنة أقطاب الثالوث الاقتصادي والتبعية بالنسبة لبقية دول العالم. مما عمق أكثر هوة التفاوت والتباين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين العالمين المتقدم والنامي.

ذ.الحسين أوبنلحسن.

 





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-