معرفة الغير:

 

معرفة الغير:

إشكال المحور:

 هل معرفة الغير ممكنة؟ هل تتم معرفته كذات أم كموضوع؟

موريس ميرلوبونتي:

يؤكد هذا الفٌيلسوف أن معرفة الغير هي معرفة لذات إنسانية تعيش في العالم. ذات لا يمكن النظر إليها كموضوع. وهي معرفة ممكنة بواسطة التواصل(اللغة والحوار). لذلك فهو يرفض فكرة سارتر التي تقول إن الغير يحول الأنا إلى موضوع بنظرته، وأن الأنا تحول الغير إلى موضوع. فهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا كانت النظرة المتبادلة لا إنسانية. وحتى في الحالة التي نلتقي فيها بشخص مجهول لا نحس أبدا أن نظرته تحولنا إلى موضوع. فهذه النظرة تعبر عن تواصل ممكن لا تفقد معه الأنا حريتها أو وعيها أو طبيعتها المفكرة. فهذه النظرة قد تؤخر التواصل إلا أنها لا تنفيه. فالتواصل يظل ممكنا خصوصا عندما يتكلم هذا الغير. آنذاك يمكن معرفته ومعرفة أفكاره ومشاعره، وبالتالي اختراق عالمه الذي كان مجهولا في البداية.

كما ينتقد ميرلوبونتي فكرة "الأنا وحدية" الناتجة عن التفكير والتأمل الذاتي، والذي يعتقد أنه يفصل الأنا عن الآخرين. فالتأمل الذاتي في حقيقته هو لغة وكلام وحوار يدل على أن الأنا- في وحدته وعزلته - يحمل معه الآخرين. فالأنا والغير يوجدان معا في العالم، ومعرفة كل ذات لذاتها وللغير يتم دائما في إطار بين ذاتي.

نيكولا مالبرانش:

يؤكد مالبرانش أن معرفة الغير معرفة افتراضية ولٌست يقينية. لأن الذات تعتمد في تكوين هذه المعرفة على إطلاق فرضيات تقول إن أحاسيس ومشاعر الغير تماثل أحاسيس ومشاعر الذات. ولذلك تبقى هذه المعرفة معرضة للخطأ.

تتأسس المعرفة الٌيقينية على العقل، كقاسم مشترك بين ألأنا والغير. وهو الذي يجعل النتائج المتوصل إلٌيها واحدة. ومن أمثلة ذلك: أن ضرب اثنين في اثنين يساوي أربعة. وهذه نتيجة يقينية لا يختلف حولها شخصان. كما أن تفضيل الشخص للعدل على الثراء، ومحبة الخير والمتعة، وكراهية الشر والألم، كلها أمور تدرك بالعقل ولٌيس بالأحاسيس والمشاعر، لأن الأحاسيس الداخلٌة للشخص قد تغلب جانب الثراء على العدل والشر على الخير...

لكن حين يكون الشخص في حالة انفعالٌية، إيجابية كانت (الفرح) أو سلبية (الحزن أو الغضب)، فإن حكمه على الآخرين من خلال حالاته الانفعالية يكون حكما خاطئا، لأن أحاسيس الغير تكون مخالفة لأحاسيس الأنا. وعليه فإسقاط الأنا لحالاتها وعواطفها على الآخرين يؤدي إلى تكوين معرفة افتراضية خاطئة حول الغير.

إن ما يراهن عليه مالبرانش هو: الاستدلال بالمماثلة قد يسمح بمعرفة الغير، لكن هذه المعرفة تبقى دوما افتراضية ومعرضة للخطأ. لأن مشاعر الغير تظل مغايرة لمشاعر الذات.

تركيب:

نستنتج مما سبق ما يلي :

- الحكم على الغير من الخارج يحوله إلى موضوع تبني الذات حوله تصورات وأفكارا وتصدر أحكاما مختلفة.

-  الغير هو ذات إنسانية تظهر في تجربة الأنا، ومعرفته هي معرفة لذات لها وعي وتفكير. هذه المعرفة ممكنة عن طريق التواصل والحوار الذي يكشف أن الغير ذات ولٌيس موضوعا.

- الاعتماد على الاستدلال بالمماثلة يؤدي إلى تكوين معرفة افتراضية تخمينية عن الغير.

- هناك تصورات متباينة حول معرفة الغير، تتراوح بين القول بإمكانية معرفته وصعوبة

هذه المعرفة. والتصور الذي يقول بصعوبة معرفة الغير يعتبر امتدادا للموقف الديكارتي

من وجود الغير. فلما كان وجود الغير افتراضيا واحتمالٌا، فمعرفته هي أٌيضا افتراضية

واحتمالٌية وصعبة.

ذ. الطالب عبد الكبير: أستاذ مادة الفلسفة.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-