الشخص بين الضرورة والحرية:

 

 الشخص بين الضرورة والحرية:

إشكال المحور:

   هل الشخص ذات حرة تتحكم في أفعالها؟ أم مجرد كيان خاضع للحتمية والضرورة؟

باروخ اسبينوزا:

  يمثل اسبينوزا حرية الإنسان بمثال الحجر الذي يتحرك بفعل قوة خارجية. وحين يتوقف الفعل الناتج عن السبب الخارجي، فإن قطعة الحجر ستواصل تحركها بالضرورة. بمعنى أن استمرار حركة الحجر، هو دائما ناتج عن السبب الخارجي. لكن الحجرة تتوهم، وهي تتحرك، أنها حرة، وأن حركتها نابعة من ذاتها وليس بفعل القوة الخارجية. إن الحجر هنا يجهل السبب الحقيقي لحركته.

   وما ينطبق على حركة الحجر ينطبق على الحرية الإنسانية. ويشرح اسبينوزا ذلك بأمثلة من حياة البشر وتصرفاتهم: فالطفل يعتقد أنه يشتهي الحليب بحرية، لكنه في الواقع يشتهيه بدافع غريزة الجوع. والجبان الذي يهرب من خطر يهدده يعتقد أنه يقوم بذلك بإرادته، فيشعر بأنه حر، لكنه في الواقع يستجيب لدافع خارج عن إرادته. وهذا الأمر ينطبق أٌيضا على السكير الذي يعتقد في حالة سكر أنه حر، والثرثار الذي يعتقد أنه يتصرف بحرية.

   يؤكد اسبينوزا أن الشعور الداخلي بالحرية هو وهم مضلل، ناشئ عن جهل الإنسان ببنية الواقع، وبالأسباب الحقيقية للحوادث. فلكي يكون الإنسان حرا نبغي أن يكون سببا لأفعاله. ولكنه في الواقع ليس سببا لأفعاله. وبالتالي فمن العبث الاعتقاد بوجود حرية في تصرفات الشخص، لأن هذه التصرفات ناتجة عن الضرورة الخارجة عن إرادته.

   إن ما يراهن عليه اسبينوزا ليس إلغاء الحرية، بل هو يرى الحرية في قبول الضرورة. فلكي يكون الإنسان حرا عليه أن يعرف القوانين المسيرة للظواهر، وأن يرضى بكل ما يحدث له، ثم تحرير النفس من الأهواء والرغبات بواسطة العقل.

جون بول سارتر:

   تصدر أطروحة سارتر عن مرجعية فلسفٌية وجودية. والفكرة الرئيسية في الفلسفة الوجودية هي أن: " الوجود سابق على الماهية ": فالإنسان يوجد أولا، ثم يصنع ما سيكونه وما سيخلقه من قيم وأفعال. شخصيته ليست مبنية على نموذج سابق، فهو ليس شيئا بل " وجود لذاته "، يمنح للحياة معنى ويعطي للأشياء قيما. إنه مشروع projet قذف به في العالم في حال من العزلة والقلق وعليه تجاوز وضعيته نحو المستقبل. خاصيته هي الانفتاح على ما هو في الأمام.

   وكون الإنسان مشروعا يعني أنه حر. فهو يختار شخصيته ويصنعها. وهذه الحرية ليست معطاة، بل هي عملية أخذ وخلق. لأن الإنسان يوجد دائما في موقف أو وضع يحد من حريته، وعليه تجاوز هذا الوضع.

   واختيار الإنسان لذاته يجعله مسؤولا عن ذاته وعن جميع الناس. لأن هذا الاختيار يتم في علاقة مع الغير، ويساهم في خلق صورة الإنسان، ويؤثر على الجميع وعلى العصر الذي يعيش فيه. إن هذا الاختيار هو بمثابة التزام تنتج عنه مسؤولية عن ذواتنا وعن لإنسانية.

تركيب :

نستخلص من هذا المحور:

- أن الشخص ذات مركبة من ضرورات طبيعية وبيولوجية، وأدوار وتنظٌيمات اجتماعية وثقافية، تجعل وضعه محكوما بإكراهات تحد من حريته.

- لكن الشخص يتميز أٌيضا بالتفكير والوعي والإرادة والمسؤولية... وهو ما يجعله قادرا على وعي الحتمية والضرورة وتجاوزها.

إن وضع الشخص، إذن، يوجد بين الضرورة والحرية. فهو غير خاضع للضرورة بشكل مطلق، وغير حر بشكل مطلق. فحريته لا تعني الفوضى واتباع الأهواء وطلب المنافع، فلا وجود لحرية كاملة، وإنما ثمة تحرر مستمر يقوم على معرفة ذواتنا ومعرفة القوانين المتحكمة في محيطنا.

ذ. الطالب عبد الكبير، أستاذ مادة الفلسفة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-