المجال العالمي والتحديات الكبرى:

 

المجال العالمي والتحديات الكبرى:

 

تمهيد إشكالي:

    يواجه المجال العالمي تحديات سكانية وبيئية تتفاوت حدتها بين دول الشمال والجنوب. فما مظاهر وعوامل التحديات السكانية والبيئية؟ وما هي انعكاساتها وتفاوتاتها المجالية ؟ وما مجهودات المنظمات الحكومية  وغير الحكومية للحد من هذه التحديات؟

التحديات السكانية وتفاوتاتها المجالية: 

   تحديات التزايد السكاني وانعكاساته على البنية العمرية:

  يعرف المجال العالمي انفجارا ديمغرافيا، إذ يفوق عدد سكانه حاليا 6 مليار نسمة. و قد يصل في حدود 2050 إلى 9 مليار نسمة . وتتفاوت حدة هذا الانفجار الديمغرافي بين الدول المتقدمة والدول النامية .
- فدول الشمال تعرف نموا ديمغرافيا بطيئا. فأوروبا مثلا بلغ عدد سكانها 730 م نسمة سنة 2004)، بفعل انخفاض نسبة الولادات  الوفيات، مما جعل البنية العمرية هرمة يسودها طابع الشيخوخة. حيث أصبح عدد الأطفال 16% ، والقادرين على العمل 89 %، في حين بلغت نسبة الشيوخ 15 %)، مما أدى إلى نقص كبير في اليد العاملة وارتفاع نسبة إعالة الشيوخ.
- أما دول الجنوب فتعرف نموا ديمغرافيا سريعا. حيث أن إفريقيا مثلا، بلغ عدد سكانها 860 م نسمة سنة 2004)، بفعل ارتفاع نسبة الولادات وانخفاض نسبة الوفيات، مما جعل طابع الفتوة يطغى البنية العمرية. فأصبحت نسبة الأطفال 42 %، والقادرين على العمل 55 % ، أما الشيوخ فبلغت نسبتهم 3% . هذه المعطيات نتجت عنها تحديات على مستوى الشغل والتمدرس والصحة، إضافة إلى ارتفاع نسبة إعالة الصغار. هذه المعطيات ساهمت في ارتفاع عدد المهاجرين وادت بالتالي إلى هدر اليد العاملة المؤهلة ، ومن ثم إلى التفكك الأسري.

    التحديات السوسيو اقتصادية وتفاوتاتها المجالية:

يتصف التوزيع المجالي للفقر البشري بالتفاوت. فهو مرتفع بدول الجنوب، ويصل إلى 50%، وضعيف بدول الشمال المصنعة، يتراوح فيها بين 6 % و 14 %. وقد انعكس هذا التفاوت على الأوضاع السوسيو اقتصادية. 
على المستوى الاقتصادي: تتجسد التحديات  أساسا في اختلال التوازن بين النمو السكاني السريع، ونمو الإنتاج البطيء. مما أدى إلى الخصاص الغذائي، خصوصا في بلدان العالم النامي. حيت أصبحت 2مليار نسمة - من أصل 6.5 مليار- تعاني من سوء التغذية و854 مليون تعاني من المجاعة.
على المستوى الاجتماعي: ارتبط التحدي الأبرز بالتزايد السكاني السريع الذي أدى إلى اختلال الأوضاع الاجتماعية لسكان العالم، وخاصة في دول الجنوب. وقد تمثل  ذلك في المظاهر التالية:
-  انتشار المجاعة: إذ إن 854 مليون في العالم يعانون من المجاعة، لاسيما في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وفي بعض الدول الأوربية.
- تزايد حدة الفقر: حيث إن 1.3 مليار تعاني من الفقر. ففي أسيا الجنوبية مثلا، نجد 34.2% من السكان يعيشون بأقل من دولار في اليوم. وفي إفريقيا جنوب الصحراء 24.3 %، أما في آسيا الشرقية  فقد بلغت النسبة 23.2%.
- ارتفاع البطالة: حيث بلغ عدد العاطلين عن العالم 195 مليون عاطل . كما ارتفعت نسبة الشيخوخة في الدول المتقدمة، مقابل ارتفاع نسبة إعالة الصغار في العالم النامي.
- تفشي الأمية: حيث بلغت 862 مليون شخص. كما ارتفعت الأمية في آسيا الجنوبية الغربية بنسبة 44.7 %، وفي الدول العربية وصلت النسبة إلى 30.1%. في حين بلغت في الدول النامية نسبة %36.4.

   دور المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مواجهة التحديات السكانية:

أهم هذه المنظمات، المؤتمر العالمي للسكان والتنمية، ومنظمة الصحة العالمية. ومن أهم أهدافها:

- تقليص معدلات وفيات الأطفال (الرضع والأقل من 5 سنوات).

ضمان الخدمات الصحية في مجال الإنجاب.

- تقليص الفوارق بين الأشخاص في مجال استعمال وسائل تنظيم النسل والتخطيط العائلي. 

- تقليص وفيات الأمهات أثناء الوضع، وبرمجة الإجهاض الممارس في ظروف صحية. 

- تقليص معدلات الأمية . وتوفير وسائل الوقاية من داء السيدا، والمساواة بين الجنسين في التربية.

التحدي البيئي و تفاوتاته في المجال العالمي:

   تحديات الكوارث الطبيعية وتفاوتاتها في المجال العالمي :

يواجه المجال العالمي عدة كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات ،... مما يخلف انعكاسات خطيرة على البيئة خاصة على دول الجنوب. كما يساهم الإنسان في تدميرها بمختلف الوسائل والطرق.

   التحديات المرتبطة بعناصر البيئة الطبيعية و تفاوتاتها في المجال العالمي .

أ- التراجع الغابوي المهول في العالم :

   يتسم توزيع الغطاء الغابوي في العالم بالتفاوت : أمريكا 25.2%، روسيا 23.6%، أمريكا ش و الوسطى15.6%، افريقيا15.1%، آسيا 13.7% ، أوربا 4.2%. ويعاني من التراجع والتدهور بسبب الحرائق والرعي الجائر وفتح الطرق، خاصة بغابة الأمازون بأمريكا الجنوبية و إفريقيا (تراجع غابة الأمازون بالبرازيل بنسبة 16%  ).

ب- العجر المائي في المجال العالمي :

   الماء حق لكل إنسان ، ينبغي أن يتزود به بكل سهولة وبكلفة مناسبة، وأن يكون صحيا وذا جودة مقبولة. لكن استغلاله المفرط (بالو. م .أ ،غرب أمريكا الجنوبية، بعض الدول الأوربية، شمال إفريقيا، المشرق العربي، وبعض الدول الآسيوية )، وانتشار ظاهرة القحولة يؤدي إلى صعوبة الحصول عليه، مما يشكل عرقلة للنمو الاقتصادي ومصدرا لتباينات عميقة، وأحد معوقات تحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية.

ج- تحديات التلوث والضغط على البيئة، وتفاوتاتها في المجال العالمي:

-  ارتفاع درجة حرارة الأرض ومشكل ثقب الأوزون.
-
 التزايد المفرط لاستغلال البترول.
-
 تضاعف السدود الضخمة وإتلاف مجاري المياه وتوحل الأراضي.
-
 تلوث الشعاب المرجانية
-
 استنزاف و تلوث المحيطات و البحار بفعل استخدام التقدم التكنولوجي وانبعاث غازات الاحتباس الحراري 
-
 اختفاء المناطق الرطبة.
-
 انتشار النفايات النووية.

د- دور المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مواجهة التحديات البيئية في المجال العالمي:

   من الضروري التنسيق المشترك بين مختلف المنظمات على المستوى الدولي، للحفاظ على سلامة الوضع البيئي. وقد بدا التفكير في مواجهة التغيرات المناخية مند مؤتمر ستوكهولم سنة 1972، والذي قرر إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئةPNUE . تلا ذلك قمة الأرض بريو دي جانيرو عام 1992، حيت وقعت حكومات العالم الاتفاقية الإطار حول التغيرات المناخية. الشيء الذي تحقق في مؤتمر كيوتو باليابان عام 1997 الذي خصص للحد من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 5.5% عما كان عليه الأمر سنة 1990.

   غير أن مجموعة من الدول الكبرى لم تصادق على بروتوكول كيوتو منها الولايات المتحدة وأستراليا. كما عقد المنتظم الدولي مجموعة من المؤتمرات في هذا الإطار أهمها مؤتمر جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا 2002 ، والذي أقر خطة شاملة لتنفيذ التنمية الشاملة.

   وقد دعا برنامج الأمم المتحدة  إلى تشجيع التعاون في مجال البيئة ، وتحفيز الأنشطة الضرورية من أجل احتواء التهديدات الكبرى، كما دعا إلى تتبع حالة البيئة عبر العالم وتسهيل تنسيق أنشطة هيئة الأمم المتحدة في مجال البيئة عن طريق التعاون و المشاركة  وتشجيع غرس الأشجار. 
   أما برنامج منظمة السلام الأخضر Green peace ،وهي منظمة غير حكومية تهتم بالمشاكل البيئية فقد دعت إلى حماية المحيطات و الغابات القديمة، والتخلي عن المحروقات الأحفورية  وتشجيع الطاقات المتجددة، كما دعت إلى نزع السلاح النووي ومنع استعمال المواد الكيماوية السامة، والوقاية من انتشار المواد المعدلة جينيا في الطبيعة .

خاتمة :

 يعرف العالم تحديات سكانية و بيئية كبرى، تتفاوت حدتها بين دول الشمال والجنوب بشكل يهدد التوازن البيئي. وهي قضية تشغل بال الحكومات والمنظمات الحكومية  وغير الحكومية التي تحرص على إيجاد وسائل لضمان تنمية مستدامة.

ذ. الحسين أوبنلحسن: أستاذ مادة الاجتماعيات  

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-