الاتحاد الأوربي: نحو اندماج شامل:

الاتحاد الأوربي: نحو اندماج شامل:

تمهيد إشكالي:

   الاتحاد الأوربي نموذج للتكتلات الاقتصادية الجهوية الناجحة انطلق بست دول في الخمسينيات من القرن العشرين على أساس تنمية التعاون الاقتصادي وتحقيق السلم والرخاء، ليصل إلى 27 دولة سنة 2007 في إطار اتحاد واندماج اقتصادي-نقدي - سياسي (اتحاد أوربي). فماهي مراحل ومجالات الاندماج لدى بلدان الاتحاد الأوربي؟ وماهي العوامل المفسرة لهذا الاندماج ؟ وماهي حصيلته بالاتحاد الأوربي كتكتل إقليمي يسير نحو الاندماج الشامل؟  

مراحل اندماج بلدان الاتحاد الأوربي ومظاهره:

مراحل اندماج بلدان الاتحاد الأوربي:

   الاتحاد الأوربي تكتل اقتصادي لدول أوربا الغربية تأسس بموجب اتفاقية روما 1957 تحت اسم المجموعة الأوربية المشتركة، ليتحول سنة 1992 إلى الاتحاد الأوربي بموجب اتفاقية " شنغن "، في إطار الاندماج الشامل، ثم توسع ليضم دول أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

   ومن أهدافه تنمية التقدم الاقتصادي والاجتماعي لدوله، وتقوية التماسك الاقتصادي، وتعزيز المكانة الدولية للاتحاد، إضافة إلى تقوية مصالح وحقوق مواطنيه وحمايتها.

    وقد مر اندماج الاتحاد الأوربي بمرحلتين رئيسيتين هما:

أ- مرحلة المجموعة الأوربية المشتركة مابين 1957-1992: تم التمهيد لهذه المرحلة  بتأسيس المجموعة الأوربية للفحم والفولاذ سنة 1951 ضمت ست دول هي ( إيطاليا- ألمانيا- فرنسا- هولندا- بلجيكا- لوكسمبورغ)، اقتصر التعاون فيما بينها على إنتاج الفحم والصلب. وفي سنة 1957  أسست نفس الدول الست المجموعة الاقتصادية الأوربية ، أو المجموعة الأوربية المشتركة، بموجب معاهدة روما .

   ومن خصائص هذه المرحلة: اتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات بهدف تعزيز الوحدة والتعاون بشكل تدريجي، منها إلغاء الحواجز والرسوم الجمركية وحرية مرور اليد العاملة داخل المجموعة الأوربية، وإقرار سياسة فلاحية مشتركة. إضافة إلى وضع نظام نقدي أوربي وانتخاب أول برلمان أوربي بشكل مباشر، وتحديد نظام الحصص  لإنتاج الصلب داخل المجموعة، فضلا عن إقرار الفصل الوحيد الذي ينص على إنشاء سوق واسعة وموحدة بدون حدود.

ب- مرحلة الاتحاد الأوربي من 1992 إلى الآن: تميزت بتوقيع معاهدة ماستريخت سنة 1992 والتي تم بموجبها تحويل المجموعة الأوربية المشتركة إلى اتحاد أوربي لاوجود فيه للحدود الداخلية بين دوله (اتفاقية شنغن 1985). كما تم تأسيس اتحاد نقدي بإقرار عملة أوربية موحدة (الأورو سنة 2002)،  وتوحيد السياسة الخارجية والأمنية في أفق إقرار دستور موحد.

   ومنذ  تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوربية المشتركة سنة 1957 إلى سنة 2007 انتقل عدد الدول من ست دول في البداية إلى 27 دولة. وقد تم ذلك عبر مراحل  ساعدت على التوسع المجالي للاتحاد بالزيادة في مساحته وفي عدد سكانه، مما جعله قوة اقتصادية وبشرية ضاغطة في المفاوضات الدولية.

مظاهر اندماج الاتحاد الأوربي:

   تباينت مظاهر هذا الاندماج بين المستوى السيايي والاقتصادي والاجتماعي:

أ- سياسيا: تم وضع مشروع دستور يوحد بين دول الاتحاد ويمثل كافة المواطنين بشكل مباشرعلى أساس الديمقراطية التمثيلية. يتمتع في إطاره المواطن بحقوق مواطنة الاتحاد، إضافة إلى توحيد السياسة الخارجية والأمن والدفاع المشترك.

ب- اقتصاديا: تم إنشاء سوق واسعة وموحدة بدون حدود، كما تم وضع سياسة فلاحية مشتركة سنة 1962 من أجل الرفع من الإنتاج والرفع من دخل الفلاحين وتحسين مستوى عيشهم  وضمان تزويد السوق بالحاجيات الفلاحية. كما تم ضمان حرية تنقل الأفراد ورؤوس الأموال بين دول الاتحاد، إضافة إلى إقرار عملة أوربية موحدة (الاورو ) كمنافس للدولار الأمريكي. غلى جانب ذلك تم توحيد صناعة الطيران  بصناعة طائرة ( إيرباص) بعد تصنيع أجزائها في عدة دول داخل الاتحاد وتركيبها في فرنسا لمواجهة المنافسة الأمريكية (طائرة البوينغ).

ج- اجتماعيا: توفير فرص الشغل  وتحسين ظروف عيش السكان  وتحقيق الرفاه، وإقرار المساواة بين الرجال والنساء، إضافة إلى تقوية حقوق الإنسان.

العوامل المفسرة لسير الاتحاد الأوربي نحو الاندماج:

دور العامل البشري وحرية مرور الأفراد في تحقيق الاندماج:

   بفضل توسع الاتحاد وامتداده مجاليا داخل أوربا، أصبح يشكل قوة بشرية  مهمة  بضمه 454 مليون نسمة، أي ما يعادل6.1 من ساكنة العالم، وما تشكله من سوق استهلاكية واسعة  ذات دخل فردي مرتفع (23800دولار) إضافة إلى أهمية السكان النشيطين 60 تمثل يدا عاملة مؤهلة بفضل ارتفاع نسبة التمدرس 98.

   كما ساعدت اتفاقية شنغن الموقعة سنة 1985على تعزيز هذا الاندماج  والتي أقرت مبدأ حرية مرور الأفراد بين دول الاتحاد الموقعة عليها، في أفق الإلغاء التدريجي للمراقبة الحدودية بين دوله (إلغاء الحدود بين  دول الاتحاد). وفي المقابل تم نهج سياسة موحدة تجاه مواطني الدول غير الأعضاء بالاتحاد.

دور العامل التنظيمي في اندماج دول الاتحاد:

   لتسهيل عملية الاندماج وتسيير شؤونه، تم وضع مجموعة من المؤسسات والأجهزة مختلفة المهام والتخصصات هي كالآتي:

- مجلس الوزراء: يتولى إقرار السياسات المشتركة. ويحدد ميزانية الاتحاد ويتقاسم سلطة القرار مع البرلمان.

- المجلس الأوربي: يقوم بتحديد التوجهات الكبرى للاتحاد، وتتناوب على رئاسته الدول الأعضاء كل ستة أشهر.

- البرلمان الأوربي: يتقاسم مهمة التشريع مع مجلس الوزراء  ويلعب دورا استشاريا، كما يتولى المصادقة على ميزانية الاتحاد ومراقبة سياسة اللجنة الأوربية.

- اللجنة الأوربية : من مهامها اقتراح التوجيهات والقوانين  المعروضة على البرلمان وتنفيذ السياسة المشتركة ، إضافة إلى تمثيل الاتحاد في المفاوضات مع الدول الأخرى.

 إضافة إلى هذه المؤسسات هناك أجهزة أخرى كالبنك المركزي الذي يراقب المداخيل والمصاريف ويصدر العملة الموحدة، ومحكمة العدل التي تراقب مدى تطبيق القوانين وتتولى تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء والمؤسسات والأفراد.

دور المبادلات التجارية في اندماج الاتحاد الأوربي:

  بفضل الاتحاد والتكتل تمكن الاتحاد الأوربي من أن يكون سوقا داخلية كبيرة قابلة للتوسع، مما جعله يشكل قوة تجارية عالمية  (الأولى عالميا).  حيث يحتكر 40من صادرات العالم و 46  من وارداته، متقدما على الو.م.أ. واليابان. وتعتبر التجارة البينية (بين أعضاء الاتحاد) قطاعا حيويا بالنسبة لاقتصاد كل دولة. حيث تمثل المبادلات الداخلية بين الأعضاء ثلثي مجموع مبادلات الاتحاد، بينما تمثل مبادلاته مع باقي دول العالم الثلث. وذلك بفضل حرية تبادل السلع والخدمات بين دوله مما سهل عملية الاندماج.

حصيلة الاندماج بين بلدان الاتحاد الأوربي ومعيقاته:

المكانة الاقتصادية للاتحاد الأوربي في العالم:

أ- على مستوى الفلاحة : يعد الاتحاد الأوربي قوة فلاحية عالمية  إنتاجا وتصديرا لمختلف المنتجات الفلاحية الزراعية منها والحيوانية. بحيث ينتج 19.7من القمح و13.6 من لحوم الأبقار عالميا، كما يعد ثاني مصدر للسكر ورابع مصدر للقمح والذرة في العالم بفضل السياسة الفلاحية المشتركة لدول الاتحاد.

ب- على مستوى الصناعة: يحتل الاتحاد مكانة متقدمة عالميا في الإنتاج الصناعي، إذ يحتل المرتبة الأولى عالميا في صناعة السيارات والثانية في صناعة الإلكترونيك بعد اليابان. ومع ذلك فهو يعاني من ضعف قطاع المعلوميات مقارنة مع اليابان والولايات المتحدة الأمريكية إنتاجا واستهلاكا (مجموع إنتاج الشركات الأوربية من طومسون - سيمنس- فيليبس  لا يوازي ما تنتجه شركة سونيSony اليابانية).

ج- على مستوى التجارة: يعتبر الاتحاد الأوربي أول قوة تجارية في العالم  لمستوى مساهمته في التجارة العالمية  تصديرا  40 واستيرادا 46. إضافة إلى تعامله التجاري مع مختلف مناطق العالم  خاصة دول الشمال والدول الأسيوية. بحيث تفوق صادراته وارداته من وإلى هذه الدول .ورغم ذلك فقوته التجارية تكمن في تجارته  الداخلية  بين أعضائه (تجارة بينية) بحيث إن ثلثي (3/2 ) مبادلاته التجارية  تتم بين دول الاتحاد،  ٳذ ﺗﺼدر وتستورد معظم دوله أكثر من 50 من وإلى الاتحاد الأوربي. بينما لاتشكل التجارة الخارجية مع باقي العالم سوى الثلث ( 3/1) .أما بنية مبادلاته التجارية فتهيمن عليها المنتجات الصناعية تصديرا واستيرادا.

معيقات الاندماج الشامل للاتحاد الأوربي:

أ- ضعف مستوى الصناعات الإلكترونية والمعلوميات (صناعة البرانم)، واستهلاكها والمنافسة القوية داخل وخارج الاتحاد من طرف الشركات الأمريكية واليابانية.

ب- التباينات بين اقتصادات دول الاتحاد  خاصة في الناتج الوطني الخام.  حيث يرتفع أكثر في دول أوربا الشمالية الغربية، ومتوسط في دول الاتحاد الجنوبية، بينما يعتبر ضعيفا بالدول الأوربية الشرقية داخل الاتحاد.

ج- اسمرار تداول العملات الوطنية في بعض دول الاتحاد رغم وضع عملة موحدة (الاورو)، كما هو الشأن في بريطانيا (الجنيه الإسترليني) وتشيكيا وسلوفاكيا (الكرونا) وبولونيا (زلوتي).

د- فشل إقرار دستور أوربي موحد بعد  رفضه من طرف بعض دول الاتحاد كفرنسا وهولندا.

خاتمة:

   على الرغم من الصعوبات التي تواجه عملية بناء الاتحاد الأوربي كتكتل متكامل الاندماج اقتصاديا ونقديا وسياسيا، فإن حصيلة نتائجه الاقتصادية والنقدية والاجتماعية جعلت من الاتحاد قوة اقتصادية عالمية - إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية - ذات ثقل تفاوضي كبير في القضايا الدولية ،الاقتصادية والسياسية والمالية والبيئية.

ذ. الحسين أوبنلحسن: أستاذ مادة الاجتماعيات.

 

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-