الآليات، المظاهر والنتائج.
تمهيد إشكالي:
مع
بداية تنفيذ نظام الحماية بالمغرب سنة 1912 شرعت سلطات الحماية في استغلال ثروات المغرب. فماهي
آليات ومظاهر هذا الاستغلال؟ وماهي آثاره الاقتصادية والاجتماعية ؟
الآليات:
أ- نهج سياسة الأرض المحروقة:
بتخريب القرى والمحاصيل وإحراقها
باستعمال الأسلحة المدفعية والطائرات والمتفجرات لمواجهة المقاومة.
ب- الاعتماد على الأعيان والقواد الكبار:
من أجل مساعدتها على إخضاع القبائل بأقل التكاليف.
ولذلك منحتهم سلطات الحماية صلاحيات واسعة في مناطق نفوذهم (جباية الضرائب وإرسال
الجنود والخيول عند الحاجة، وفرض أعمال السخرة لدى المعمرين وفي الأشغال
العمومية...). ومن أهم هؤلاء القواد الكلاوي والمتوكل والكندافي.
ج- الاستيلاء على أجود الأراضي الفلاحية:
عن طريق إنشاء مصلحة
المحافظة على الأملاك العقارية بظهير 13غشت 1913، بعد أن عجز المغاربة عن
إثبات ملكيتهم للأرض، أو بعد عجزهم عن تسديد تكاليف التحفيظ، أو جهلهم بالإجراءات
القانونية للتحفيظ. أو عن طريق ظهير 1914 الذي وضع الأملاك الجماعية تحت تصرف سلطات الحماية، أو من خلال
إجبار الفلاحين على البيع تهديدا أو إغراء أو سلبا.
ج- وضع جهاز إداري لتسهيل عملية الاستغلال:
من خلال إنشاء إدارة استعمارية
فعلية مقابل إدارة مغربية شكلية
د- تسخير التعليم لخدمة أهداف الحماية:
من أجل توفير الأطر
الإدارية والصناعية، وتخصيص التعليم العسكري لأبناء الأعيان والقواد كضباط
المستقبل المدافعين عن الوجود الفرنسي بالمغرب.
هـ - إنشاء بنك المغرب بموجب مقررات الخزيرات لسنة 1906:
لتقديم القروض والمساعدات
المالية للشركات الاستعمارية والأجانب بالمغرب لتمكينهم من إنجاز مشاريعهم. إلى
جانب عدة فروع لأبناك أوربية بالمغرب، شكلت الأداة المالية للسيطرة على القطاعات
الحيوية للاقتصاد المغربي.
و- تشييد التجهيزات والأشغال العمومية الكبرى:
من طرق وموانئ وسكك حديدية، والمطارات والمدارس
والمستشفيات، خاصة في المناطق الغنية بثرواتها الفلاحية والمعدنية (المغرب النافع).
المظاهر:
أ- الاهتمام بالفلاحة العصرية التسويقية:
مقابل تهميش الفلاحة المعيشية من زيتون وحوامض،
وقطن وتبغ وكروم وبواكير.
ب- الاهتمام بتشييد التجهيزات والأشغال العمومية الكبرى:
لتسهيل وتسريع عملية استغلال واستنزاف ثروات
المغرب المعدنية والفلاحية والبحرية، مستغلة في ذلك اليد العاملة المغربية في إطار
أعمال السخرة.
ج- توسيع الاستيطان الزراعي الخاص والرسمي:
فتزايدت حدة مصادرة الأراضي مع تزايد عدد
المستوطنين.
د- إنشاء مؤسسات مالية لتمويل الشركات والمؤسسات الصناعية والزراعية:
بقصد تمكينها من استغلال ثروات البلاد كبنك
المغرب وبنك باريس وشركة التبغ بالمغرب، والشركة العامة المغربية، وشركة ألومنيوم
شمال إفريقيا والمكتب الشريف للفوسفاط.
هـ - تزايد نهب واستنزاف
ثروات المغرب السطحية والباطنية، مع تزايد
حجم الاستثمارات الأجنبية بالمغرب (فرنسية وأوربية وأمريكية). وقد همت هذه الاستثمارات
جميع القطاعات الاقتصادية من فلاحة وعقار وصناعة ومناجم، إلى جانب القروض
والمعاملات المالية، مع التركيز أكثر على الصناعات الاستخراجية والتحويلية،
والاهتمام بالزراعات التسويقية والصناعية. فأصبحت
هذه المؤسسات تتحكم في الاقتصاد المغربي.
و- تزايد الضغط الجبائي على المغاربة:
بوضع سلطات الحماية نظاما ضريبيا مكنها من تمويل حملاتها العسكرية
بالمغرب، ومواجهة نفقات الحربين العالميتين، الأولى والثانية. حيث تم فرض ضريبة الترتيب
سنة 1915، كانت ترتفع قيمتها مع تزايد حاجة الحماية
للأموال. إضاقة إلى ضرائب أخرى متعددة كالضريبة الحضرية والمهنية والنظافة، ورسوم
الذبائح وأبواب الأسواق، إضافة إلى الاكتتابات والتبرعات الإجبارية تحت شعار
الإخاء الحربي (ملف مساهمة المغرب في الحرب العالمية الثانية).
النتائج:
أ- على المستوى الاقتصادي:
- تدمير البنية الإنتاجية للبوادي المغربية عن
طريق سياسة الأرض المحروقة، لإخضاع القبائل( إحراق وإتلاف المحاصيل، وهدم مخازن
الغلال الجماعية، وقصف الأسواق والقرى...) بهدف التجويع و التفقير.
- دمج الاقتصاد المغربي في المنظومة
الرأسمالية العالمية، من خلال جعله مصدرا للمواد الأولية الخام، المعدنية
والفلاحية، ومستوردا للمواد المصنعة والاستهلاكية والتجهيزية بهدف تصريف الإنتاج .
- وضع منشآت اقتصادية وشركات مغربية لخدمة الأهداف الاستعمارية. حيث
تم توجيه إنتاج معمل الإسمنت " لافارج " لبناء الطرق والجسور والموانئ
والسدود. كما تم توظيف شركات النقل في التصدير، وفي عملية نقل المواد الأولية
لخدمة الصناعات التحويلية والاستخراجية. وبذلك تم تسخير القطاع الفلاحي والمنجمي
والصناعي والبنية التحتية والعنصر البشري في خدمة المصالح الاستعمارية. وبذلك تم وضع
الاقتصاد المغربي في فلك المنظومة الرأسمالية العالمية.
- انهيار الحرف
والصناعات التقليدية لعدم قدرتها على منافسة المنتجات الأوربية التي غزت الأسواق
المغربية .
ب- على المستوى الاجتماعي:
- في البوادي: تم تفكيك البنية القبلية
المبنية على الجماعة والتضامن القبلي، بعد مصادرة الأراضي الخاصة والجماعية ودعم
الملكية الخاصة للأرض ووسائل الإنتاج، وفرض العمل المأجور، مما أدى إلى ظهور طبقة
عمالية بالبوادي.
- تزايد حدة الهجرة القروية نحو المدن2.5)مليون مهاجر من بين 6.5
مليون نسمة عدد سكان المغرب سنة (1950 ونحو الخارج بعد مصادرة أراضي
الفلاحين مما أدى إلى إفراغ عدة بوادي من
سكانها والمساهمة في التفكك الأسري.
- تعرض سكان البوادي للتفقير والاضطهاد
والاستغلال والتجويع والأمراض، وكثرة الضرائب وأعمال السخرة من طرف سلطات الحماية
والقواد الكبار، فشكلوا يدا عاملة رخيصة داخل المغرب وخارجه بأروبا .
- في المدن: ظهرت طبقة عمالية تكونت من
المهاجرين، عانت من الاستغلال الرأسمالي المتمثل في ساعات عمل طويلة وأجور هزيلة
وظروف عمل صعبة، ومستوى عيش منخفض وسكن غير لائق بأحياء الصفيح التي تزايد عددها
حول المدن الكبرى (كريان سنطرال بالدار البيضاء).
- إفلاس التجار بعد عجزهم عن تسديد ديونهم للأبناك
التي صادرت ممتلكاتهم خاصة بعد أزمة 1929، وعدم قدرة تجارتهم على مسايرة المحلات التجارية الأجنبية الكبرى.
- إفلاس
الحرفيين الذين تحولوا إلى عمال في المصانع بعد عجز صناعتهم التقليدية على منافسة
السلع الأجنبية التي غزت السوق المغربية.
- معاناة المغاربة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية
الأساسية وندرتها في فترة الأزمات "عام البون"، واضطرارهم إلى أكل
النباتات البرية والجراد.
- ظهور طبقة اجتماعية جديدة، شكلت البرجوازية
المغربية معظمها، من الأعيان والقواد والمتعاونين مع الاحتلال اغتنت بفضل ما قدمته
من خدمات للمستعمر.
خاتمة:
هكذا تكون سلطات الحماية قد سخرت قوتها العسكرية
ومؤسساتها البنكية والمالية لنهب ثروات المغرب السطحية والباطنية والبحرية
والبشرية، وتفقير مدنه وقراه، وربط اقتصاده بالاقتصاد الفرنسي خاصة والرأسمالي
عامة.