المنهج الاجتماعي: نبيل راغب.

 

المنهج الاجتماعي:

 


نبيل راغب.

 

جذور المنهج الاجتماعي:  

تعد الأديبة الفرنسية ‹‹مدام دي ستايل›› أول من نبه إلى أهمية العلاقات بين الأدب والمجتمع، وبين الأدب و السياسة، في كتابها (عن الأدب في علاقاته بالمؤسسات) الذي ظهر عام 1800، وبعد عدة سنوات عاد الناقد ‹‹دي بونالد›› ليؤكد أن (الأدب هو التعبير عن المجتمع).

    بعد ‹‹مدام دي ستايل›› جاء الناقد الفرنسي‹‹إيبوليت تين››الذي بذل مجهودا كبيرا في سبيل نشر النظرية السوسيولوجية في الأدب. وينادي ‹‹تين›› بضرورة تدريس الأدب بطريقة تكشف حتميته، من خلال التعرف على الأسباب التي تؤدي إلى حدوثه، وتجعل الشكل الذي يتخذه محتوما. فلا يمكن استيعاب الفن أو تذوقه أو تحليله بدون إطاره الاجتماعي، ذلك لأنه ليس شيئا غامضا أو هلاميا، أو مجرد لهو فردي للخيال، أو نزوة منعزلة لوجدان منفعل.

مرحلة تبلور المنهج الاجتماعي:

   ولم تتبلور النظرية السوسيولوجية إلا باجتهادات ‹‹جورج لوكاتش›› و‹‹لوسيان غرلدمان›› وغيرهما من المفكرين والفلاسفة والنقاد الذين استفادوا من النظريات الأدبية الحديثة، وفي مقدمتها البنيوية التوليدية.

فرضيات "غولدمان" في المنهج الاجتماعي:

      وكانت البنيوية التوليدية بمثابة الطاقة الفكرية والفنية التي جعلتولدمان" ينطلق بعلم الاجتماع البنيوي التوليدي من خمس فرضيات جمعت بين البنيوية والسوسيولوجية في منظومة نقدية، تحلل المضمون الاجتماعي في ضوء الشكل الفني الذي تتبلور بنيته من خلال التحليل الذي يساعد الملتقي على تكوين رؤية خاصة به للعالم والمجتمع والحياة. وهو المفهوم الذي ورد في الفرضية الأولى التي تؤكد أن العلاقة بين حياة المجتمع و الخلق الأدبي لا تتصل بمضمون هذين القطاعين من الواقع الإنساني عموما، وإنما تتصل بالأبنية العقلية أساسا وتتبلور من خلالها. وهو ما يسميه "غولدمان" بالمقولات أو المفاهيم التي تشكل الوعي الحياتي لمجموعة اجتماعية بعينها، والعالم التخيلي الذي يخلقه الأديب.

   وفي الفرضية الثانية يوضح "غولدمان" أن هذه البنية العقلية هي أساس الحياة الإنسانية والاجتماعية بكل تجلياتها المادية والفكرية والإبداعية. وهذا يعني أن الأبنية العقلية التي هي بدورها أبنية المقولات الدالة، ليست ظواهر فردية وإنما هي ظواهر اجتماعية.

    ثم ينتقل "غولدمان" في فرضيته الثالثة إلى العلاقة بين بنية وعي المجموعة الاجتماعية وعالم العمل الأدبي، فيوضح أنها توجد تماثلا دقيقا ينطوي على علاقة دالة بسيطة. وبذلك ينفي "غولدمان" أي تعارض في وجود علاقة محكمة بين الخلق الأدبي والواقع الاجتماعي التاريخي من ناحية، وقوة الخلق التخيلي من ناحية أخرى. ولا يمكن إدراك المعنى الحقيقي والشامل الدال، سواء للخلق الأدبي أو الواقع الاجتماعي التاريخي أو الأثر الفعال الملموس للخلق التخيلي، خارج إطار هذه العلاقة المحكمة.

    وهذه الفرضية تؤدي بدورها إلى الفرضية الرابعة التي تقدم منظورا جديدا لنقد ودراسة قمم الخلق الأدبي وروائعه. يضاف إلى ذلك، أن أبنية المقولات التي يدرسها علم الاجتماع الأدبي هي - على وجه التجديد - الأبنية التي تعطي الوحدة العضوية والبنيوية للعمل الأدبي، بمعنى أنها أحد العنصرين الأساسيين للخاصية الجمالية المميزة للعمل، كما أنها تمثل الطبيعة الأدبية الحقة للعمل الأدبي.

   ويرفض"غولدمان" في فرضيته الخامسة والأخيرة المنظور السيكولوجي الذي يحصر أبنية المقولات في التصنيفات المجردة للوعي واللاوعي بالمفهوم الفرويدي لهذه الفرضية. ذلك أن هذه الأبنية هي التي تحكم الوعي الجماعي والتي تتحول إلى عالم تخيلي يختلقه الفنان، عالم لا ينهض على افتراض علمية كبت مسبق، أو عمليات غير واعية، شبيهة من بعض الزوايا بتلك العمليات التي تحكم أبنية الأعصاب والعضلات، وتحدد الخاصية المميزة لإيحاءات البشر وحركاتهم.

    ويترتب على هذه الفرضيات، أن كل دراسة نقدية يجب أن تبدأ بتشريح العمل الأدبي باعتباره مركبا من استجابات دالة تفسر بنيتها معظم العناصر الجزئية والفرعية التي يواجهها الناقد.

فهم النص وشرحه عند "غولدمان":

   إن فهم النص، باختصار، مشكلة تتصل بالتلاحم الداخلي للنص. وهو مشكلة  لن تحل إلا بافتراض أن النص، كل النص وليس أي شيء سواه، هو ما يجب أن يؤخذ أخذا حرفيا، و أن على الناقد أن يبحث، في داخله عن بنية دالة شاملة، أما الشرح فإنه مشكلة تتصل بالبحث عن ذات فردية أو جماعية، وإن كان "غولدمان" يعتقد أن النقاد لا يواجهون في الأعمال الثقافية و الفنية والأدبية إلا ذاتا جماعية. كما أن الفهم و الشرح ليسا علميتين عقليتين مختلفتين، بل هما عملية واحدة ترتبط بزوايا مختلفة للنظر. و إذا كان الفهم هو الكشف عن بنية دالة متأصلة في العمل الأدبي، فإن الشرح هو إدماج هذه البنية كعنصر مكون في بنية شاملة، لا يستكشفها الناقد في تفاصيلها، بل يستكشفها بالقدر الذي يعينه، فحسب، على أن يتفهم العمل الذي يدرسه. إن المهم هو أن تؤخذ البنية المحيطة باعتبارها موضوعا للشرح والفهم. عندئذ ينقلب ما كان شرحا ليصبح فهما، مما يحتم على الناقد في مرحلة الشرح أن يتصل ببنية جديدة أوسع.

نبيل راغب موسوعة النظريات الأدبية:

الشركة المصرية العالمية للنشر. لونجمان. ط1. 2003. ص 323 وما بعدها (بتصرف).




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-