تحليل نص: سوسيولوجية القصيدة العربية:


تحليل نص: سوسيولوجية القصيدة العربية:


 

وضع النص في سياقه الأدبي والفني:

   لقد أثارت إشكالية تعدد المناهج التحليلية جدلا كبيرا يعزى إلى ما تتسم به مستويات الآثار الإبداعية من تنوع ومرونة، باعتبارها ظواهر لغوية ونفسية واجتماعية. ولعل أهم المناهج التي حاولت مقاربة الأعمال الأدبية، المنهج البنيوي التكويني الذي ظهرت إرهاصاته مع دي ستايل و دي بونالد، وتبلور مع جورج لوكاتش ولوسيان غولدمان. وإذا كان المنهج السيكولوجي يرى أن الفرد منتج النص، وأن عملية الخلق الأدبي نتاج لعملية كبت مسبق، فإن المنهج السوسيولوجي يرى، في المقابل أن الجماعة هي منتجة النص، وأن المبدع لا يعدو كونه وسيطا بين النص والجماعة، ومن ثم فإن تذوق الفن وتحليله لن يتأتى بمعزل عن محيطه الاجتماعي. ومن أهم النقاد الذين وجدوا ضالتهم في هذا المنهج، حميد الحمداني، إدريس بلمليح، حسين حسن، محمد بنيس، وعبد الله راجع، إلى جانب نجيب العوفي صاحب النص موضوع الدراسة والتحليل.

فما القضية التي يعالجها النص؟

وكيف وظف الناقد المنهج الاجتماعي لتحليلها؟

وما طرائق العرض التي اعتمدها لذلك؟

صياغة الفرضية:

   يحيل مؤشر العنوان مباشرة على طبيعة المنهج الموظف لدراسة قضية النص، وعلى الحمولة الاجتماعية التي تتضمنها القصيدة العربية. وبناء على ذلك نفترض أن النص مقالة نقدية تعالج قضية أدبية تتعلق بعلاقة القصيدة العربية بالمرجعية الاجتماعية التي أفرزتها. ويدعم هذا الافتراض مضمون بداية النص التي تشير إلى وظيفة الشاعر وعلاقته بالبنية الاجتماعية التي يعبر عنها، ونهايته التي تلخص واقع القصيدة العربية في العصر الحالي.

المضمون:

   على مستوى المضمون تتبع العوفي مسار تطور القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي، إلى العصر الحديث، عبر قراءة نقدية تربط القصيدة العربية بالظروف الاجتماعية والسياسية التي تحكمت في إنتاجها. وبناء على ذلك بدأ بالحديث عن وظيفة الشاعر العربي والمكانة التي كان يتبوأها داخل الجماعة التي ينتمي إليها، مؤكدا أن القصيدة العربية كانت مرآة صادقة تعكس بجلاء بنية المجتمع الجاهلي. بعد ذلك انتقل إلى مقاربة أثر التصور الإسلامي على الممارسة الشعرية، والذي اقتضى أن تتحول القصيدة العربية إلى منشور ديني وإيديولوجي هدفه مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ونشر الدعوة الإسلامية، قبل أن يشير إلى التناقض الذي شهده العصران الأموي والعباسي، بين الحياة المدنية وبنية المجتمع الذهنية، ليختم المقالة بتلخيص التحولات التي شهدها العالم العربي في مطلع القرن العشرين، وتحديد انعكاس هذا التحول على القصيدة العربية.

المفاهيم والمصطلحات:

    وقد تأثر معجم النص كثيرا باختيار الناقد المنهجي.  ويمكن تصنيفه، بناء على هذا الاختيار، إلى حقول دلالية ثلاثة: حقل الأدب ( الملفوظ الشعري، الشعر، محتوى ملحمي...) والحقل الاجتماعي ( أمة، قوم، الجمهور...)، إلى جانب حقل التحقيب التاريخي ( الدولة العباسية، القرن السادس للميلاد، الدولة الأموية، العصر الحديث...). وبين هذه الحقول علاقة تكامل وانسجام، يخدم بموجبه الحقل الآخر، انسجاما مع طبيعة المنهج البنيوي التكويني الذي يحاول فهم النص وتفسيره اعتمادا على المرجعيات المجتمعية، وعلى الأبنية العقلية التي تسمها.

الأطر المرجعية:

    وقد استلزمت طبيعة المنهج النقدي المعتمد، الاستناد إلى مرجعيات نقدية متباينة، تعكس مدى التزام الناقد بالبنيوية التكوينية، حيث استند إلى الإطار الماركسي ليبرر تلك العلاقة الجدلية بين النص والجماعة، وإلى البنيوية التي مكنته من التعامل مع القصيدة العربية والجماعة كبنية تتألف من مجموعة من العناصر التي تتفاعل في إطار علاقات تأثيرية تأثرية. كما استمد آلياته التحليلية من علم الاجتماع، ليربط القصيدة العربية بشروطها الاجتماعية ويؤرخ لدواعي تطورها، وإلى التاريخ لتحقيبها.

البنية الحجاجية:

   لمعالجة الإشكالية المدروسة اتبع الناقد خطة منهجية وتفسيرية تضافرت فيها وسائل حجاجية مختلفة، كالتفسير والوصف والسرد. وقد حرص الناقد على تحقيق الانسجام بين جمل النص وفقراته باستعمال عدد من أدوات الاتساق، كأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة التي انتظمت في بنية حجاجية قوامها القياس الاستنباطي.

الخلاصة التركيبية:

    لقد تمكن نجيب العوفي من إنتاج مقالة نقدية استلهمت مقومات النقد الأدبي. ويبدو أنه كان يقصد من خلالها تسليط الضوء على سوسيولوجية القصيدة العربية ورصد أهم تطوراتها على امتداد فترات زمنية مؤثرة في تطور الأبنية العقلية في المجتمع العربي. ولتحقيق هذه المقصدية، اعتمد أساليب حجاجية متنوعة، كالاتساق والانسجام، وبعض الوسائل اللغوية التي ترتبط بالوصف والتفسير والسرد، وكل هذه الخصائص تؤكد صحة الفرضية التي أشرنا إليها آنفا في المقدمة.

د . عمر عودىمناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. 2014. الصفحة 160 وما بعدها (بتصرف).




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-