دور الإنسان في التاريخ

 

 دور الإنسان في التاريخ:


إشكال المحور: 

هل الإنسان صانع فعلي للتاريخ أم إنه خاضع لمنطقه ومنفذ لغاياته؟

فريدريك هيجل:

   يقول هيجل: " إن عظماء التاريخ هم الذين يدركون ما هو كوني ويجعلونه غاياتهم التي يحققونها طبقا للمفهوم لأرقى للروح. لهذا علينا أن نسميهم الأبطال. فهم لم يبحثوا عن غاياتهم ولاعن مواهبهم في النظام القائم والهادئ، بل أتوا بها من مصدر آخر: من الروح الذي لا يزال خفيا ولم يحقق بعد وجوده الفعلي، ولكنه بدأ يكسر قشرة العالم القائم والهادئ، لأنها لم تعد تناسب نمو بذرته"(العقل في التاريخ، ص:120).

   الروح esprit ، عند هيجل، هي الفكرة العقلية المتجسدة في التاريخ، والتي تتطور حتى تصل إلى مرحلتها الأخيرة وهي الروح المطلق الذي يتحقق في الفن والدين والفلسفة. وسيرورة التاريخ محكومة بالروح المطلق الذي ينمو ويتجلى في مختلف أشكال الوعي (الفن، الدين، الفلسفة...)، حتى يحقق غاياته النهائية وهي الحرية والتطابق مع مفهومه الأكمل. ويتجلى دور الإنسان في التاريخ في ما ينجزه العظماء الذين يعتبرهم هيجل مجرد وسائل تحقق غايات العصر والروح المطلق.

    إن هذه الشخصيات تمثل الاتجاه العميق للتاريخ، الذي هو تاريخ الروح أو الفكرة في تطورها، وليس تاريخهم الخاص. وعندما يحقق هؤلاء الأبطال (الذين أدركوا ما هو كوني) غايات الروح تنتهي مهمتهم ويسقطون كمثل فاكهة أفرغت من نواتها. فالإسكندر مات شابا، وقيصر قتل، ونابوليون بونابارت نفي.

   يمكن القول مع هيجل : إن البشر بمجتمعاتهم وشعوبهم ودولهم وإبداعاتهم، ليسوا سوى تجليات مؤقتة لحركة الروح، إنها تجسيدات وأزياء ترمز إلى مراحل تحقق الروح، سرعان ما تتخلى عنها لتحقق ذاتها في تجسيدات أخرى.

التصور الماركسي (كارل ماركس + فريدريك إنجلز(:

   دور الإنسان في التاريخ محكوم بشروط مادية، اقتصادية على الخصوص، خارجة عن إرادته. فالبشر هم الذين يصنعون تاريخهم الخاص إلا أنهم لا يفعلون ذلك عشوائيا وضمن شروط من اختيارهم، بل ضمن شروط معطاة مسبقا وهي علاقات الإنتاج التي تحكم المجتمع. يقول إنجلز: " الناس هم الذين صنعون تاريخهم بناء على شروط واقعية سابقة".

جون بول سارتر:

   ينتقد سارتر التصور الماركسي. فالناس في نظره هم الذين يصنعون تاريخهم وليس شروطهم السابقة، وإلا سيصبحون مجرد وسائل لقوى الإنسانية تتحكم من خلالهم في الواقع الاجتماعي.

   صحيح أن الشروط لها دور في توفير التوجيه والواقع المادي للتغيرات الموجودة، لكن الممارسة الإنسانية تتجاوز هذه الشروط وتوظفها كإمكانات للفعل. وإذا حصل وانفلت التاريخ من يد الإنسان، فإن ذلك يعني أن الغير(إنسان آخر) يصنع التاريخ أيضا.

   إن التاريخ، إذن، نتاج للفعل الإنساني، سواء كان هذا الفعل صادرا عن الأنا أو الغير. فالتاريخ هو تحقق للمشروع الذي يختاره الإنسان ويطوره انطلاقا من الإمكانات المتاحة له.

لوسيان غولدمان:

   ينتقد غولدمان الأطروحة التي تقول : إن علاقات الإنتاج هي التي تخلق البنيات وتحدد أدوار الناس. فهذه الأطروحة تتجنب البحث في سؤال: من يخلق علاقات الإنتاج وأنماط الإنتاج؟ وهي تشبه الفكرة التي ترى أن الناس لا يخلقون اللغة، بل إن اللغة هي التي تخلق الأحداث وتحكم تصرفات الناس.

   يرد غولدمان على الفكرتين بالقول: إن اللغة والبنيات وعلاقات الإنتاج لا يمكنها أن تنتج أي شيء، لأنها ليست بذوات فاعلة. ذلك أن الأفراد الذين ينخرطون بوعي في علاقات داخل المجتمع هم الذين يطورون اللغة ويغيرون الواقع. أما البنيات فهي مجرد مظاهر لحياة الإنسان.

   إن التاريخ، إذن، من إنتاج الإنسان، إنه نتاج لتصرفاته وأفعاله وأفكاره وعلاقاته.

استنتاج:

   إن الإنسان قادر على بناء تاريخه، مادام يتمتع بالوعي والإرادة. لكن فعله في التاريخ يظل محدودا لأنه خاضع لمجموعة من الإكراهات والضغوط الخارجة عن إرادته، والتي تحد من حريته.

عبد الكبير الطالب: أستاذ مادة الفلسفة.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-