تحليل نص: المنهج البنيوي

 

تحليل نص: المنهج البنيوي

 

 

وضع النص في سياقه الأدبي والفني:

لم تكتف الدراسات النقدية والتاريخية بإضاءة المناهج التفسيرية وآليات اشتغالها، بل ركزت على المناهج النصية، والمنهج البنيوي من بينها. ورغم أن هذا الأخير ظهر متأخرا في العالم العربي، إلا أن ذلك لم يمنع الباحثين من الوقوف على خصائصه، وإضاءة مبادئه وإطاره المرجعي. ويستمد هذا النوع من المناهج مرجعيته النظرية من اللسانيات، خاصة وأن المنهج البنيوي يرى أن النصوص تفسر نفسها بنفسها، دون الحاجة إلى المتغيرات الخارجية التي تحكمت في إنتاجه. ومن ثم فقراءتها يتعين أن تكون داخلية. ويتوزع هذا المنهج بين حقول معرفية متنوعة، كعلم الأنتروبولوجيا مع ستراوس، وعلم النفس البنيوي مع جاك لاكان وجون بياجي، وعلم الأركيولوجيا مع ميشيل فوكو. لكن تعدد هذه المرجعيات لم يمنع الدارسين في العالم العربي من مقاربة هذا المنهج، ومساعدة المتلقي على فهم أدواته النظرية والتطبيقية حتى يسهل عليه تتبع طرائق توظيفه في دراسة الأدب العربي من قبل النقاد. ولعل أهم من تمثل هذا المنهج النقدي، فؤاد أبو منصور، محمد السويرتي، وعبد السلام المسدي، إلى جانب صلاح فضل، الذي أسهم في تطوير النقد العربي دراسة وتنظيرا، وهو صاحب النص المعالج.

- فما أطروحة النص؟

 - وما إطارها المرجعي؟

-  وما رهان الناقد من طرحها؟

صياغة الفرضية:

   من الواضح أن المركب الاسمي المكون للعنوان لا يحتمل التأويل، ويحيل مباشرة على ذلك الإطار النظري الواصف الذي يعالج النصوص الإبداعية من الداخل، انطلاقا من مبدأ أن النص نسق لغوي، ومن ثم فإن اللغة هي الأنسب لدراسته. وبربط مؤشر العنوان ببداية النص ونهايته، نفترض أن النص مقالة نقدية ستعرف لا محالة بهذا المنهج، وبأسسه وبمجالات انشغالاته.

المضمون:

   ينطلق الناقد من تحليله للمنهج البنيوي، من مسلمة حجاجية ترتبط بالبوادر الأولى لظهور المنهج البنيوي، والتي ترجع إلى النصف الأول من القرن العشرين، في حقل الدراسات اللغوية بالتحديد. ويرى أن البنيويين حددوا مجال عملهم على أنه ليس لغويا وإنما ميتالغوي، يرى المبدع في إطاره العمل الإبداعي ويكتب عنه، وينفي المنطلق الأيديولوجي عن النقد البنيوي، على اعتبار أن الأيديولوجية ستدفع النقاد إلى الاحتكام في قراءة الأدب إلى معايير مسبقة في أذهانهم، فلا يستطيعون إدراكه على حقيقته، ولا اعتبار كيفية أدائه لوظائفه التعبيرية والجمالية. ولم يفت الناقد أن يشير إلى السند المعرفي الذي تستلهم منه البنيوية مفاهيمها، وهو علم اللسانيات، مؤكدا أن أهم المصطلحات التي اقتبسها منه مصطلح البنية، وإن كان هذا المفهوم قد تقاسمته حقول معرفية متعددة منها علم النفس المعرفي، والأنتروبولوجيا. ويرى المنهج البنيوي أن الأعمال الأدبية كلها تمثل أبنية كلية، وبهذا المعنى تتشكل قصيدة الشعر مجموعة من مجموعة من البنى ، تتمثل في البنية الإيقاعية، التركيبية، التعبيرية والتخييلية. لذلك يرى الناقد أن هدف البنيوية محاولة فهم المستويات المتباينة المكونة للأعمال الإبداعية، استنادا إلى شعار موت المؤلف، في محاولة لوضع حد للتيارات النفسية والاجتماعية في تحليل الظواهر الأدبية. وقد خلص الناقد إلى تحديد المكانة التي يتبوأها المنهج البنيوي في الدراسات النقدية والأدبية، وفي الثقافة العربية على وجه الخصوص.

إشكالية النص:

    تتمحور إشكالية النص حول التصور الجديد للمنهج البنيوي في قراءته للأثر الإبداعي. وهو تصور قائم على رفض توظيف الإيديولوجية في النقد، لأن الناقد إذ ذاك سينطلق من أحكام مسبقة سيساهم في تضييع جوهر الحقيقة. ولعل هذا ما شكل نقطة الاختلاف بين المنهج البنيوي والمناهج المجاورة له، خاصة تلك التي تعتمد الشروط الخارجية في قراءة النصوص. وبهذا المعنى يكون المنهج البنيوي حلقة حقيقية وفاعلة في تجديد الحقل الأدبي النقدي.

المفاهيم والمصطلحات:

   ويتوزع معجم النص إلى حقلين دلاليين، حقل النقد التفسيري ( النفسي) الذي يعنى بالمعطيات خارج النصية، وحقل النقد الوصفي ( البنيوي) الذي يدرس النص من الداخل. وبالنظر إلى ترتيب توظيف الحقلين، يمكن أن نلاحظ أن الناقد يمهد لمفاهيم المنهج البنيوي على أساس مفاهيم المنهج الاجتماعي والنفسي، تماما كما أسس المنهج البنيوي نظريته وأطروحته على أنقاض المناهج السالفة. ويخدم توظيف المعجم اللغوي بهذا الشكل مختلف القضايا الفرعية التي تواترت على امتداد المقالة، والتي يمكن تحديدها في قضية مفهوم البنية نظريا ووظيفيا، إلى جانب مسألتي موت المؤلف وعلمية الأدب.

الأطر المرجعية:

   يتنوع الإطار المرجعي المعتمد في النص، إذ يستدعي علوما ومقاربات أهمها الدراسات اللسانية، ومقاربة الشكلانيين الروس، إلى جانب الفلسفة الظاهراتية التي تتميز بحذف الجانب الميتافيزيقي الغيبي في دراسة الأشياء، والتركيز على الجوانب التي تتجلى للإدراك.

البنية الحجاجية:

   ولتأكيد أطروحته، اعتمد الناقد بنية حجاجية قوامها القياس الاستنباطي، تعززت بأساليب حجاجية أخرى كالمقارنة والتعريف والوصف. وقد خضعت جمل النص وفقراته لعملية بناء منظمة ومترابطة ترابطا دلاليا، جعلت من النص بنية دلالية موحدة. وقد تحقق ذلك بتوظيف أدوات الاتساق من أسماء الإشارة وأدوات التعليل. وبخصوص مظاهر الانسجام فيمكن اختزالها في قابلية النص للفهم والتأويل من قبل المتلقي.

الخلاصة التركيبية:

    لقد كان صلاح فضل يروم رسم ملامح التصور الجديد للمنهج البنيوي. ولتحقيق هذه المقصدية اعتمد أساليب حجاجية متنوعة كالاستنباط والتفسير والمقارنة، أكدت أن المقالة استوفت مقومات المقالة النقدية، مما يؤكد صحة الفرضية التي أشرنا إليها في المقدمة، من كون المقالة نقدية ستعرف بالمنهج البنيوي وترصد أهم خصائصه.  

د . عمر عودىمناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. 2014. الصفحة 164 وما بعدها (بتصرف).




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-