الحقيقة والرأي

 

مفهوم: الحقيقة

 

تأطير إشكالي :

   الحقيقة هي غاية كل بحث يقوم به الإنسان في مختلف مجالات المعرفة " الفلسفة، العلوم

التجريبية، العلوم الإنسانية..". وتعرف بأنها "مطابقة الفكر لذاته أو مطابقته للواقع"، وهي "القضية الصادقة وما تمت البرهنة عليه ". ويطرح مفهوم الحقيقة إشكالات يمكن التعبير عنها في الأسئلة الآتية:

.1  ما مصدر الحقيقة؟ العقل أم الرأي؟ هل الحقيقة معطاة أم مبنية؟

.2  ما هي معايير الحقيقة؟ هل الحقيقة نتاج العقل أم الواقع؟ هل توجد معايير أخرى للحقيقة؟

.3 لماذا يرغب الإنسان في الحقيقة؟ هل يرغب فيها لذاتها أم لأغراض خارجة عنها؟ بتعبير آخر: هل الحقيقة غاية أم وسيلة؟

المحور الأول : الحقيقة والرأي


إشكال المحور:

   الرأي l’opinion هو الاعتقاد والتصديق بوقائع وأفكار لم تخضع للفحص النقدي، يتقبلها العقل دون التساؤل ما إذا كانت منطلقاتها صحيحة أو خاطئة. وترجع كلمة opinion في معناها الأصلي إلى الكلمة اليونانية Doxa التي تعني " المعرفة العامية المتغيرة " التي تقابل المعرفة العقلية الثابتة.

أية علاقة، إذن، بين الرأي ( كاعتقاد وظن) والحقيقة (كشيء ثابت وصادق)؟ هل هي علاقة تلازم أم تعارض وتضاد؟

رونيه ديكارت :

   يعتبر ديكارت أن الشك المنهجي هو الطريق المؤدي إلى الحقيقة. فالشك يمكننا من امتحان

معارفنا، ومعرفة صحتها وصلابتها، وهو الذي يوصلنا في النهاية إلى اليقين. والمعرفة اليقينية عند ديكارت هي الواضحة والمتميزة التي لا مجال للشك فيها.

   ولبلوغ اليقين (الحقيقة) لابد من التخلص من الآراء المسبقة الناتجة عن الظن والاعتقاد، والاعتماد على ما يقدمه العقل وحده. أي الاعتماد على عمليات عقلية، يختزلها ديكارت في عمليتين هما: الحدس والاستنباط. الحدس هو معرفة مباشرة لفكرة أو موضوع دون واسطة أو برهان، أما الاستنباط فيشير إلى كل أنواع الاستنتاج التي تقتضي الانتقال من حد إلى حد آخر(البرهان).

غاستون باشلار :

   يؤكد هذا الباحث الإبستمولوجي أن عملية بناء المعرفة العلمية ليست عملية كاملة. فهي لا

تستطيع تفسير الظواهر بشكل نهائي، لأن مفهوم الواقع تغير وأصبح مبنيا بواسطة العقل. ويتوصل العالم إلى الحقيقة بمراجعة الأخطاء السابقة وتصحيحها، وذلك بأحداث قطيعة مع المعارف العامية التي تقف عائقا أمام الحقيقة العلمية، وتجاوز المعارف غير المصاغة بشكل علمي.

   إن الحقيقة العلمية تتعارض مع الرأي: فالرأي عائق أمام المعرفة العلمية، لابد من تجاوزه وهدمه. فهو يحتمل الخطأ دوما، ويسيء فهم الأشياء، ويحول الحاجات إلى معارف، ويعين الأشياء حسب فائدتها. أما الفكر العلمي فهو يرفض تكوين رأي حول القضايا قبل فهمها. فأول شيء يطلبه العلم هو تحديد القضايا المدروسة، ثم تفسيرها اعتمادا على منهج دقيق وصارم، وصياغة النتائج بشكل علمي واضح.

   إن المعرفة العلمية هي معرفة مبنية وليست تلقائية. " الا شيء في العلم يسير من تلقاء ذاته، لا شيء يعطى، كل شيء يبنى".

تركيب :

   يقدم الرأي حقائق ترتبط في الغالب بالاعتقادات الخاصة بالشخص الذي يتبناها. أما المعرفة

العلمية فتقدم حقائق يقينية وثابتة، يتم التوصل إليها باستخدام مناهج معقولة تعتمد على خطوات واضحة.

ذ. عبد الكبير الطالب: أستاذ مادة الفلسفة.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-