إحياء النموذج: تحليل نص انبعاث الشعر العربي

          

   نموذج تحليل مقالة أدبية:       انبعاث الشعر العربي        

محمد الكتاني.

 . وضع النص في سياقه الأدبي والفني:

   من البديهي أن ترافق كل حركة إبداعية أو فنية، حركةٌ نقدية تقاربها، تعرف بخصائصها واتجاهاتها، وترصد مسار تطورها. 

وعلى هذا الأساس كان من الضروري أن تواكب خطابات إحياء النموذج، حركة نقدية اتسمت في بدايتها بالبساطة، إذ تراوحت مناهجها، في قراءة النصوص، بين الأحكام المعيارية والانطباعية. لكنها ما لبثت أن تحولت باتجاه النقد الموضوعي، بعدما انفتحت على المدارس النقدية الغربية، ووظفت مناهجها ومبادئها في قراءة الأعمال الإبداعية، وفي الكشف عن قيمها الجمالية وخصائصها الفنية. 

وقد تبلور هذا الاتجاه النقدي من خلال أعمال عدد من النقاد، من بينهم شوقي ضيف، محمد بنيس، عباس الجراري، إلى جانب محمد الكتاني، صاحب المقالة المعالجة، والذي أسهمت إنتاجاته إلى حد كبير في تجسيد مستوى النضج الذي عرفه هذا المنظور النقدي.

    . إشكالية التحليل:

·      فما القضية التي يعرضها النص؟

·      وما طرائق العرض التي وظفها الناقد لمعالجتها؟

·      وما مقصديته من طرحها؟

. صياغة فرضية لقراءة النص:

      يحيل مؤشر العنوان دلاليا على أحد تجليات النهضة الفكرية والأدبية التي أعقبت فترة الانحطاط، وبشكل أخص حركة إحياء النموذج التي بعثت من جديد مختلف الأشكال الشعرية القديمة، بعدما طالها موت الشكل والمعنى خلال العصر العثماني. 

وعلى أساس هذا التأويل الدلالي، نفترض أن النص مقالة نقدية تعالج قضية أدبية تتعلق بشعر الإحياء، سيحللها الناقد لا محالة، من خلال رصد المتغيرات التي أسهمت في ظهور التجربة الإحيائية، وسيحديد خصائص خطاباتها وسماتها المميزة. 

وتدعم هذه الفرضية بداية النص التي تحيل على المبدأ العام الذي قامت عليه الإحيائية، وهو استلهام النموذج القديم باعتباره مستقر المثل الأعلى، ونهايته التي تلخص الظروف الموضوعية التي أفرزت هذه التجربة الشعرية.

   . المضمون:

   على مستوى المضمون، يبدو أن الناقد قد التزم في حديثه عن انبعاث الشعر العربي، بالتتابع الكرونولوجي لحدث البعث الشعري كما هو ممتد فعليا في الزمان. 

وعليه، بدأ بالحديث عن سمات شعر الانحطاط، وما عرفه من موت المعاني والإفراط في التصنيع القائم على الإسفاف اللفظي وتكلف المحسنات، قبل أن ينتقل ليفصل الحديث عن خصائص شعر الإحياء، مستندا إلى مبادئ المنهج التصنيفي في جرد هذا الخصائص، وترتيبها وفق تتابع تسلسلي يبدأ من ماهية الشعر من منظور إحيائي، وينتهي بتلخيص  خصائصه الفنية المستلهمة من الذاكرة الشعرية القديمة، البعيدة عن أوضار الصناعة البديعية، لتعتمد، في المقابل، على النزعة البيانية القائمة بالأساس على المجاز والاستعارة.

 . إشكالية النص:

   يكشف مضمون النص عن طبيعة الإشكالية المطروحة. وهي إشكالية ثقافية وحضارية تتعلق بموضوع النهضة العربية، وبدور هذه النهضة في بعث الخطاب الشعري وتجويده. 

 . القضايا الجزئية:

وللإحاطة بمختلف جوانب هذه الإشكالية، جزأها الناقد إلى  قضيتين جزئيتين أساسيتينانتظمت أولاهما في ثنائيات ضدية تتعلق بمسألة اللفظ والمعنى، الطبع والصنعة، المحاكاة والتقليد، والثانية ذات طابع عام، وترتبط بقضية عمود الشعر ومفهومه ووظيفته. 

 . المفاهيم والمصطلحات:

  وقد وظف الناقد لتحليل هذه القضايا، شبكة مفاهيمية ملائمة، تستمد مرجعيتها الدلالية من حقلين متباينين: حقل الشعر الجامد ( موت المعاني، نضوب ماء العاطفة،اختفاء النزعة الذاتية...) وحقل الشعر الجيد (متانة التركيب، جزالة اللفظ، نصاعة المعنى...).

 ويتفاعل الحقلان في إطار علاقة تضاد، من جهة، وبموجب علاقة سببية ومسببية، من جهة أخرى،  على اعتبار أن الحقل الأول كان داعيا قويا لتوظيف الحقل الثاني في النص. ويمكن أن نلاحظ هيمنة واضحة لحقل الشعر الجيد، لكونه يشكل عماد النص وقوامه.

 . الأطر المرجعية:

   ورغم أن قضية النص تبدو واحدة، إلا أن معالجتها استلزمت اعتماد أطر مرجعية متعددة. وتتنوع هذه الأطر بين مرجعية تاريخية ( انتكاس سلطان الدولة العربية، النصف الثاني من القرن الثامن عشر...) ودينية قومية ( الروح القومية، الوعي الديني...)، وتراثية ( المعاني القديمة، الشعر العربي القديم، فحول الشعراء...). 

ولعل ما يفسر هذا التباين المرجعي، كون الظاهرة الإحيائية، موضوع النص، ظاهرة مركبة تدين في ظهورها إلى عوامل متعددة، وتتغذى من روافد معرفية متباينة.

 . طرائق العرض:

   على مستوى  طرائق العرض،  وظف الناقد بنية منهجية قوامها القياس الاستنباطي، انتقل بموجبها من الجانب العام لقضية النص، والمتمثل في المبدأ الذي قامت على أساسه الإحيائية، إلى الجانب الخاص منها، والمتعلق بسمات الظاهرة وخصوصياتها.

 وقد تعززت هذه البنية بأدوات لغوية ذات وظيفة حجاجية، كالجرد، والتتابع، والمقارنة، إلى جانب وسائل أخرى كالتأكيد والتفسير والتعليل. وكل هذه الأدوات تنتظم في بنيات جملية خبرية في أغلبها، تتخللها بعض البنيات الإنشائية التي تندرج في خانة التوثيق التاريخي.

 . الخلاصة التركيبية:

 لقد كان محمد الكتاني  يروم مقاربة إشكالية ذات أبعاد حضارية وثقافية، شغلت العرب خلال القرن التاسع عشر. هذه الإشكالية تتعلق بالنهضة العربية ودورها في بلورة التجربة الإحيائية، وتجويد الخطاب الشعري من خلالها.

 وللتعبير عن هذه المقصدية وظف الناقد بنية مفاهيمية دقيقة، وأطرا مرجعية مفسرة، وأدوات حجاجية داعمة. وهي تقنيات نقدية تعكس مستوى النضج النقدي الذي وصلت إليه حركة النقد العربي، ومدى استلهامها لمناهج القراءة في الغرب.

 وكل هذه المعطيات تؤكد صحة الفرضية التي بنينا التحليل على أساسها، وتجعل من صاحب النص أحد أبرز رواد النقد الأدبي بالمغرب.

الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 28.


 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-