سؤال الذات: تحليل نص الشعر الرومنسي




 نموذج تحليل مقالة أدبية:     الشعر الرومنسي  عبد المحسن طه بدر



 . وضع النص في سياقه الأدبي والفني:            

   ظهرت الحركة الرومانسية كرد فعل على الحركة الإحيائية التي اتجهت نحو محاكاة النماذج القديمة، دون أن تولي ذات الشاعر أهمية كبرى. ورغم أن تأصيلها كتوجه شعري حديث، قد ارتبط بجماعة الديوان، إلا أن تبلورها لم يكتمل إلا بجهود الرابطة القلمية وجماعة أبولو.

 وقد تساوق ظهورها مع نشأة دراسات نقدية قدمت تحديدا جديدا لمفهوم الشعر من منظور رومانسي، معتمدة على أحكام النقد الذاتي، والأحكام الشخصية الجاهزة. إلا أن انفتاح هذه الحركة النقدية على مناهج النقد الغربي، أدى إلى ظهور جيل جديد من النقاد، حاول تحديد اتجاهات الشعر الرومانسي، ورصد أهم خصائصه. 

ولعل أهم من سار على هذا النهج النقدي، عز الدين إسماعيل، غنيمي هلال، ومحمد عبد المنعم خفاجي، إلى جانب عبد المحسن طه بدر، صاحب المقالة المعالجة.

. إشكالية التحليل:

  • فما القضية التي يطرحها النص؟
  • وكيف عالجها الناقد فنيا؟
  • وما رهانه من طرحها؟

. صياغة فرضية لقراءة النص:  

   بالنظر إلى مؤشر العنوان، الذي يحيل دلاليا على ذلك التوجه الشعري الذي تمرد على حركة البعث الكلاسيكية، بداعي رد الاعتبار للأنا الشاعرة وجعلها مصدر الإلهام الشعري، نفترض أن النص مقالة نقدية تعالج ظاهرة أدبية، هي الشعر الرومانسي، من خلال الإشارة إلى أهم تياراته ومذاهبه، ورصد أهم خصائصه وسماته. 

وتدعم هذا الافتراض دلالة بداية النص التي تحيل على مدارس الرومانسية وأهم أعلامها، ونهايته التي تلخص غاية ما حققه الرومانسيون على مستوى البنية الإيقاعية. 

. المضمون:

   على  مستوى المضمون، يعرض النص أهم الإنجازات التي حققتها المدرسة الرومانسية، والإخفاقات التي حالت دون تحقيق أهدافها ومشاريعها التطويرية.

 ويرى الناقد أن الوجدانيين بدؤوا بتغيير وظيفة الشعر الدعائية – التي ميزت الخطابات الإحيائية – إلى وظيفة تعبيرية مصدرها  الذات الشاعرة. كما حاولوا تخليص الممارسة الشعرية من الخضوع للتراث وعدم الاعتراف إلا بالشعراء الذين ارتبطت أشعارهم بحياتهم وبطبيعتهم النفسية، كابن الرومي وأبي نواس.

 وراهنوا على تقليد التراث الغربي، رغم ما اكتنف محاولات التقليد هذه، من صعوبات  تمثلت بالأساس في ضرورة استضمار الشاعر للبنيات اللغوية الغربية. بيد أن هذه الإنجازات لم تكن كافية لتحقيق أهداف الرومانسيين، خاصة وأن هؤلاء ظلوا عاجزين عن التعبير عن حرية الفرد أسوة بالرومانسيين الغربيين، فتحولت رؤية شعرائها إلى رؤية ضبابية غامضة، كما انزلقوا في كثير من الأحيان إلى أغراض المدح أو الرثاء التي سبق وأعلنوا رفضهم لها.

 وقد ختم الناقد المقالة بالإشارة إلى التباين بين المدارس الرومانسية في توظيف الأساليب البيانية التي تراوح موقفهم حيالها بين التخلي التام (الديوان) والتبني المطلق (أبولو)، وإلى غاية ما وصلوا إليه في تجديدهم للبنية الإيقاعية.

 . إشكالية النص:

يتضح إذن أن الناقد كان يحاول مقاربة إشكالية واضحة المعالم، تتعلق بمدى إمكانية اعتبار الرومانسية العربية نتاجا للمثاقفة مع الغرب. 

   ولتحليل هذه الإشكالية أورد الناقد جملة من القضايا التحتية ذات العلاقة بإشكالية النص، تصدرتها قضية مفهوم الشعر من منظور رومانسي، ثم قضية علاقته بالتراثين الغربي والعربي.

. المفاهيم والمصطلحات:

   وقد تحكم تواتر هذه القضايا  في اختيارات الناقد المفاهيمية. ويمكن أن نلاحظ أن مفاهيم النص تنتظم في حقلين معجميين أساسيين: حقل الرومانسية وحقل الإحياء. وبين الحقلين علاقة تضاد من جهة، وعلاقة سببية ومسببية، من جهة أخرى، على اعتبار أن الحقل الدال على التجربة الإحيائية، كان في النص مدخلا طبيعيا لتوظيف الحقل الذاتي.

 وإلى جانب الحقلين نلمس بعض المفاهيم النقدية الرومانسية، التي اقتضتها طبيعة النص، والتي تعكس نوعا من الجدة في قراءة النصوص الشعرية (الأحكام المطلقة والمثالية، الأحكام العامة، فكرة، معنى، الرجز التعليمي أو المزدوج...).

. الأطر المرجعية:

   ولتدعيم مختلف آرائه، استند الناقد إلى عدد من الأطر المرجعية، تباينت بين الفلسفات الوجودية ( حرية الفرد، مشاكل الفرد، مشاكل الجماعة...)، والتصوف الإسلامي ( الملاك، الحلم، التقوقع...) والشعر العربي القديم الذي أشاد مبكرا بالذات الشاعرة، منزاحا عن النموذج التقليدي ( نهاية الفقرة الثالثة).

 ويمكن أن نرد هذا التنوع المرجعي إلى كون الظاهرة الرومانسية نتاجا لتفاعل عوامل عدة، تداخل في إفرازها  العامل السياسي بالعامل  الفلسفي الوجودي.

 . طرائق العرض:

    أما على مستوى البنية الحجاجية، فقد نهج الناقد منهج القياس الاستنباطي منطلقا من التعريف بمدارس الرومانسية وأقطابها، لينتهي بأهم خصائص الرومانسية على مستوى الإيقاع.

 وقد تعزز المستوى الإقناعي في النص بأدوات حجاجية أخرى كالاستشهاد (بميخائيل نعيمة، وعلي محمود طه)، والمقارنة (بين تجربة الإحياء والوجدان)، إلى جانب بعض الأدوات اللغوية الأخرى ذات الطبيعة الإقناعية، من قبيل التأكيد، والتعليل، والتفسير.

 . الخلاصة التركيبية:

   تبين مستويات التحليل السابقة، أن الناقد كان يهدف إلى بيان كيف أن الرومانسية كانت أول نموذج شعري يناقض الحركة الإتباعية، بيد أن آلياته لم تكن واضحة لأسباب عددها على امتداد المقالة.
 وللتعبير عن هذا الرهان، توسل الناقد بمفاهيم دقيقة وملائمة، استمدت مرجعياتها من أطر مرجعية مقامية، وبحجج إقناعية متنوعةوكل هذه الآليات جعلت من المقالة نموذجا واضحا لحركة النقد العربي، في مرحلتها المتطورة، خاصة وأنها تنحو منحى النهج الغربي في مقاربة النصوص الإبداعيةوكل هذه الخصائص تؤكد صحة الفرضية التي أوردناها في مقدمة هذا التحليل.

الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 46.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-