ظاهرة الشعر الحديث: القراءة التوجيهية

 

ظاهرة الشعر الحديث:



1.    القراءة التوجيهية:

1.  قراءة في العنوان:

 

   تضطلع العناوين في الغالب الأعم بوظيفة إخبارية تحيل بموجبها على مضامين النص ونوعيته. وهي بهذا المعنى لا تنفصل عن حركية المؤلف التي تساعد على تأويل النص ككل.

 

   و" ظاهره الشعر الحديث " مركب اسمي من فصيلة العناوين الخبرية، يتألف من ثلاثة مكونات معجميه ينطوي كل منها على دلالة محددة تتطلب تعميق النظر فيها، واستقصاء أبعادها المباشرة وغير المباشرة لفك ألغاز المؤلف ومقاربة حمولاته المتعددة.

 

أ‌.  ظاهرة:

 

    الظاهرة هي كل واقعة خارجية ملموسة تتجلى للوعي عبر الحواس. بمعنى الشيء القابل للإدراك ويمكن أن يكون موضوعا للتجربة. ويأخذ مفهوم الظاهرة دلالات مختلفة باختلاف الحقول المعرفية والتخصصات العلمية. فإذا كانت في علم الاجتماع تحيل على كل حدث يمكن للعاقل أن يدركه إدراكا ماديا كالتسول والإدمان والدعارة والبطالة، فإنها تشير في علم النفس إلى كل الأنماط السلوكية،سوية كانت كالذكاء والعبقرية، أو غير سوية كالاكتئاب والانطواء.

 

    أما في مجال الآداب فتحبل على مختلف المنجزات البارزة التي أبدع فيها العقل البشري في مجال الآداب كالشعر والرواية والقصة والمسرحية.

 

ب‌.   الشعر:

 

   يحيل مفهوم الشعر عادة على القول المنظوم. وغالبا ما يقترن بمفهوم آخر هو الاحساس. ولما كان الإحساس في كثير من الأحيان خادعا وباطلا ترسخ اعتقاد مفاده أن الشعر عاجز بطبيعته عن إنتاج المعرفة. وهذا الفهم هو ما دفع أدونيس إلى إعادة النظر في المصطلح السائد للشعر، كي لا يختزل في الحس فقط، بل يتجاوزه إلى الفكر كذلك. ومن المعلوم أن مسيرة الشعر العربي قد عرفت محطات تطور كبرى منذ الشعر الجاهلي إلى شعر التفعيلة.

 

ج. الحديث:

 

   الحديث دلاليا نقيض القديم. والحدوث يعني أن الشيء المستحدث لم يكن له وجود مسبق. أما على المستوى الاصطلاحي فتختزل الصفحة الخامسة والستون من المؤلف سبب استقرار المعداوي على تسمية هذا الشعر بالشعر الحديث، وهو ما اعترى المفهوم من تسميات ملتبسة تداولها النقاد والشعراء، وتتسم في عمومها بالجزئية والشكلية.


   يقول " هناك عدة اقتراحات لتسمية هذه الحركة الشعرية منها اقتراح الشاعر عبد الصبور تسميتها بشعر التفعيلة. وهناك اقتراح آخر هو تسميتها بالشعر المنطلق. ويؤخذ عليه أن مفهوم الانطلاق قد يعني التحرر من كل قيد. كما أن مفهوم الحرية في قولهم الشعر الحر، قد يعني التحرر من أي التزام. ومن أجل ذلك آثرنا استعمال مصطلح الشعر الحديث تمييزا لهذه الحركة عن التيارات الشعرية الجديدة الأخرى كتيار أبولو وتيار المهجر وغيرهما " الصفحة 65 من المؤلف.

 

2. عتبة المؤلف:

 

    أحمد المعداوي أو المجاطي رائد من رواد الشعر الحديث بالمغرب. ولد سنه 1936 بالدار البيضاء. حصل على الإجازة بدمشق، وعمل أستاذا مساعدا في كلية الآداب بفاس، ثم أحرز دبلوم الدراسات العليا سنة 1971 عن بحث يحمل عنوان هذا المؤلف " ظاهرة الشعر الحديث " .

 

   حصل على الدكتوراه وهو يعمل أستاذا جامعيا. وتوفي بالرباط سنه 1995. يعد من أرز شعراء الستينيات ولقب آنذاك بأمير الشعر بالمغرب. جمع أشعاره في ديوان سماه الفروسية، وله إلى جانبه كتابان أساسيان: " ظاهرة الشعر الحديث "، وأزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث. وقد شكلت القضايا القومية والعربية وفي مقدمتها قضية فلسطين محور أشعاره وبؤرة اهتماماته.

 

3. طبيعة المؤلف:

  

   " ظاهرة الشعر الحديث " من أوائل البحوث التي أنجزت حول الشعر الحديث. وهو دراسة نقدية اقتفت مسار تطور الشعر الحديث وبحثت في العوامل التي مكنت الشاعر من الانتقال من مرحلة الاحياء والذات إلى المرحلة التي مكنته من التحرر من أوضار التقليد. كما قارب مختلف التجارب التي غذت حركة التحديث في الشعر العربي.

 

أ‌. على مستوى المضمون:

 

    من خلال تيمتي الغربة والضياع وتجربتي الحياة والموت، مع كل ما تنفرد به كل تجربة من مظاهر وخصوصيات.

 

ب‌.   على مستوى الشكل:

  

   من خلال اللغة والصور الشعرية والأسس الإيقاعية.

 

    والمؤلف بهذا المعنى محصلة قراءة نقدية للشعر العربي الحديث، من خلال منهج متكامل وجهاز مفاهيمي ومصطلحات توسل بها المعداوي ليضع خطاب الشعر الحديث في إطار سياق زمني واجتماعي ونفسي.


 4.  المناصات الداخلية:

أ‌.  الخطاب المقدماتي:

 

   جاء خطاب المقدمة على شكل تمهيد للفصل الأول، رغم أنه  قد لخص في شروط ومظاهر تطور الشعر العربي، من خلال جملة من القضايا يمكن تحديدها كالاتي:

° تركيز المعداوي على شرطين اعتبرهما أساسيين في تحقيق هذا التطور. أولهما الاحتكاك الفكري بالثقافات والآداب الأجنبية. والثاني أن يتمتع الشعراء بهامش مناسب من الحرية يسمح  لهم بالتعبير عن تجاربهم.

° جرد أمثلة دالة توضح سعي جماعة من الشعراء العباسيين في الخروج بالشعر من دائرة التقليد.

 

   وقد كان توفر هامش من هذه الشروط سببا في ظهور الموشحات بالأندلس، وفي ظهور تيارات شعرية في العصر الحديث كان وكدها انتشال الشعر من دائرة التقليد والرجوع به إلى حدود التجربة الذاتية التي يعيشها الشاعر العربي.

 

    إلا أن الواقع يعترف بعدم تمتع الشعراء العرب بالقدر المناسب من الحرية، بسبب هيمنة علماء اللغة على حركة النقد الأدبي، والذين دعوا إلى ضرورة التقييد بالنهج الصارم للقصيدة الكلسيكية، و بعدم الخروج عن عمود الشعر، مما ساهم في تضييق مجال التطور والتجديد لدى الشاعر العربي.

 

     وفي المقدمة كذلك أشار إلى ظروف نشأة الشعر الحديث وعوامل تطوره، فحصرها في عاملين اثنين:

 

   ° نكبة فلسطين التي زعزعت الوجود العربي التقليدي وفتحت مجالا واسعا للحرية.

   ° ظهور حركتين تجديديتين اعتمدت إحداهما على التطور التدريجي في مواجهه التقليد، بينما كان التطور عند الأخرى قويا انقلب على كل المواضعات القديمة.

 

ب‌.   خطاب الخاتمة:

 

    تمحورت الخاتمة حول سؤال مركزي: هل يجوز لنا أن نعلل غموض الشعر الحديث بعامل واحد هو الحداثة؟ كان المجاطي يروم من خلاله أن يلخص ما توصل إليه من نتائج بعد معالجة أفقية " الشكل " وعمودية " المضمون "  لمسيرة الشعر العربي.

 

   فخلص إلى اعتبار الحداثة أهم العوامل التي جعلت القراء يتفقون على غموض الشعر الحديث مختلفا في ذلك مع عدد من النقاد كشكري عياد الذي نفى أن تكون الحداثة وراء هذا الغموض. وليؤكد زعمه استعان المعداوي بالناقد الأمريكي ريتشاردز معتبرا أن " كثيرا من أفضل الشعر مبهم في تأثيره الأول. حتى إن أدق القراء وأشدهم تجاوبا يضطرون إلى أن يقرؤوا  القصيدة مرة أخرى وأن يجهدوا أنفسهم قبل أن تتجسم القصيدة في عقولهم بصفاء ووضوح".

 

    والمجاطي وإن كان منزعجا من مسألة غموض الشعر الحديث، واعتبرها حاجزا ماديا ونفسيا بين الشعر الحديث والقراء، إلا أنه متفائل بتبددها مع مرور الزمن.

 

ج. خطاب ظهر الغلاف:

 

   اختار ناشر المؤلف فيه مقتطفا من المقدمة يمكن اعتباره  إضاءة دالة لمضمون الكتاب، لخص فيه التيارات الشعرية التي ظهرت خلال القرن العشرين، والتي صنفها الى صنفين:

 

- اتجاه الوجداني: تميزت محاولاته التجديدية بالتدريج.

- اتجاه الشعر الحديث: الذي انخرط فعليا في الثورة على المواضعات الشعرية القديمة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-