تقديم مجزوءة الوضع البشري
1. مفهوم الوضع البشري:
يحيل هذا المفهوم على مبحث الوجود في الفلسفة، باعتباره مبحثا مستقلا قائما بذاته. ويمكن تحديد هذا المفهوم بأنه مجموع الحدود القبلية التي تحدد الوضعية الأساسية للكائن الإنساني، أو بأنه مجموع المعطيات السابقة للوجود الانساني، التي جاء بها إلى هذا العالم، أو التي يجد نفسه أمامها. كما يمكن تحديدها وفق معطيات فيزيائية بيولوجية، أو سياسية، أو أخلاقية، أو ذاتية، أو علائقية، أو نفسية أو اجتماعية، زمانية ومكانية. وهذه المجزوءة تقتصر على ثلاث وضعيات أساسية، تدخل في تحديد الوجود الإنساني:
أ.
الوضعية الذاتية: تحيل على
الشخص، أو الأنا، كمعطى فلسفي ميتافيزيائي، يرتبط بمفاهيم مختلفة أخرى، كالهوية
والقيمة، والضرورة والحرية، والفكر والذاكرة واللاشعور.
ب. الوضعية الغيرية: تتمثل في الأنا في علاقتها مع الآخر، باعتباره ذاتا أخرى غير الذات، وذلك في الإطار الفلسفي الذي يرتبط بالأشكال المتعددة لوجود الغير ومعرفة الغير والعلاقة به.
ت. الوضعية التاريخية: باعتبارها المحدد الزماني والمكاني للوجود الإنساني. هذا المحدد هو مجموع القوانين التي تشير إلى المقاصد الخفية التي تتحقق تدريجيا أو جدليا و ترتبط بمفاهيم أخرى كالمعرفة التاريخية ومنطق التاريخ، والفاعل التاريخي الذي يقصد به دور الإنسان في صناعة التاريخ.
والسؤال الأساسي الذي يطرح من هذا التقديم هو: كيف تتحدد الوضعية الزمانية والمكانية للشخص؟ وما الدور الذي يضطلع به الغير في تحديدها؟
2. مفهوم الشخص:
مفهوم الشخص من المفاهيم المركزية في المباحث المختلفة للفلسفة، ويحيل على مفاهيم أساسية أخرى كالذات والأنا. فما المقصود بمفهوم الشخص فلسفيا؟
من الصعوبة بمكان وضع تعريف دقيق ونهائي
لمفهوم الشخص. لأن الشخص كما أشار إلى ذلك " إيمانويل مونيه" في
كتابه " الشخصانية " ليس شيئا. ولذلك فإننا لا نعرف عن هذا
الكائن سوى الأشياء الخارجية عنه.
وإذا أردنا أن ننطلق من أصل الكلمة، أو ما يسمى بالاشتقاق الإيثيمولوجي، فإن الدلالة العربية لكلمة شخص مشتقة من كلمة تشخص أي ظهر وتجلى. أما دلالتها الفرنسية فإن كلمة personne تحيل على أصلها اللاتيني persona ، والتي تعني القناع الذي يضعه الممثل وهو يؤدي دورا على خشبة المسرح. لذلك فكلمة شخص قد تدل على ما يتخفى وعلى ما يظهر في نفس الوقت.
لكن السؤال الذي قد يطرح هو ما الذي يخفيه الشخص وما الذي يظهره؟ بهذا الصدد يمكن أن نقول إن الشخص يحاول غالبا أن يخفي الجانب الحيواني منه، ليظهر جانب العقل أو التعقل. وبهذا التحديد نكون قد انتقلنا من المستوى المعنوي/ الدلالي/ اللغوي إلى مستوى الدلالة الفلسفية لمفهوم الشخص.
فلسفيا، يرى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أن الشخص هو الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها. وهو بهذا التحديد يربط بين مفهوم الشخص ومفهوم العقل والمسؤولية. وبذلك يمكن القول بأن الشخص فلسفيا، هو ذات واعية تتمتع بالإرادة والمسؤولية والحرية، وتختلف عن التصور الفيزيولوجي الذي يحصر الشخص في الجسم المادي، وعن التصور القانوني الذي ينظر إلى الشخص كذات مدركة لها حقوق وعليها واجبات.
3. طرح الإشكال:
وبمقاربة مفهوم الشخص فلسفيا، سنجد أنه مفهوم يرتبط بمجموعة من المفاهيم الأخرى، يشكل معها علاقات إشكالية يمكن صياغتها في إشكالات مركزية ثلاث تتحدد كالاتي:
- كيف يمكن أن ننظر إلى هوية الشخص؟ وما هي الأسس التي تقوم عليها هذه الهوية؟ وهل هذه الهوية ثابتة أم متغيرة؟
- ما هي محددات قيمة الشخص؟ هل هو غاية لذاته أم مجرد وسيلة؟ وهل
يكتسب الشخص قيمته من اعتباره ذاتا فردية مستقلة أم من كونه بنية
اجتماعية؟
- وهل الشخص ذات حرة في وجودها؟ أم إنه يخضع لحتميات تجعل حريته حرية مشروطة؟